انتهى الإضراب.. وانتصر الكتّاب

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *

«انتصر الكتّاب».. تصدر هذا العنوان الصحف الأمريكية التي كانت تتابع عن كثب إضراب الكتّاب في هوليوود الذي استمر مدة 148 يوماً وانتهى في 28 سبتمبر(أيلول) الماضي حسب صحيفة (لوس انجلوس تايمز). حيث قام كتّاب الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بإضراب يعتبر سابقة في تاريخ الصناعة الإعلامية، وذلك على خلفية تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على تغيير قواعد اللعبة في العديد من القطاعات وكان الإعلام على رأسها. وإليهم انضم الممثلون حيث باتت هذه التقنيات قادرة على الاستفادة من صورهم والاستغناء عنهم. نجح الكتّاب في الحصول على مطالبهم ولكنّ الممثلين لم تحسم قضيتهم بعد.

الحديث عن المنافسة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري انتشر خلال الأشهر الماضية مع ظهور تلك التقنيات التي تنافس الكتّاب، بل وتستنسخ أسلوب وإبداع كاتب، ما يجعل شركات الإنتاج تستغني عن الكاتب بعد أن تمتلك موهبته وتسخّرها آلياً لتستفيد منها دون العودة إليه. لكن الإضراب أثبت أن الآلة لا يمكن أن تحل مكان الإبداع البشري. وهكذا وقّع الكتّاب على اتفاقية توّثق فوز البشر في أول نزاع ضد الآلة. نجح كتاب السيناريو في تأمين حواجز حماية كبيرة ضد استخدام هذه التكنولوجيا في مكان عملهم، ولكن الاتفاقية لا تنص على وقف تطوير هذه التقنية ولا تشمل حقوق الممثلين.

كان الإضراب يتعلق بالقسم الأكبر منه باستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريو والتأثير الوجودي لذلك على الكتّاب. إضافة إلى بعض الأمور المتعلقة بمنصات البث المباشر. لكن نقابة الكتاب الأمريكية توصلت إلى اتفاق مع الاستوديوهات وشركات الإنتاج تُجبر هده الجهات بالكشف عمّا إذا كانت المادة المقدمة قد تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي كلياً أو جزئياً. وهكذا تم الاعتراف أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون كاتباً معتمداً. ولا يمكن اعتماد مادة كتبت بالذكاء الاصطناعي كمادة مصدرية. كما لا يمكن استخدام المواد التي ينتجها الذكاء الاصطناعي لتقويض رصيد الكاتب أو حقوقه المنفصلة. هذا الاتفاق المبدئي لم يُحظر جميع استخدامات الذكاء الآلي حيث اعترف كلا الجانبين أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة في العديد من الجوانب في صناعة الأفلام، وكتابة السيناريوهات. ولكن هذا الأمر يجب أن يتم بموافقة الجميع.

ونص الاتفاق على الاجتماع مرتين سنوياً خلال مدة العقد البالغة ثلاث سنوات لمناقشة الشروط مع التطورات السريعة التي يشهدها عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي. وهكذا جاءت النتيجة لصالحهم والفضل لتحركهم السريع والتعطيل الكبير الذي سببه الإضراب ووضع شركات الإنتاج في مأزق، خاصة وهي ما تزال خارجة من جائحة كورونا. التوقيت، والإصرار، وسرعة دعم الإعلام لهذا التحرك أثمر عن نجاح مؤقت لكنه ليس كافياً لرفض محاولات شركات الإنتاج تأخير التفاوض معهم إلى ما بعد عام 2026 الأمر الذي لم يوافق عليه الكتّاب. ويُعتبر هذا الانتصار نهجاً جديداً في التعامل مع شركات التكنولوجيا. ويُنتظر تكرار الاعتصامات من القطاعات التي ستتضرر من تطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر المقبلة نظراً لأنه كلما أصبحت هذه التقنية متطورة أكثر أصبح من الصعب على العمال الفوز في المعركة ضدها. لذلك كان فوز الكتّاب يعود لتحركهم في الوقت المناسب بعد أشهر فقط من ظهور تقنية تهدد وجودهم إذا ما تطورت أكثر.

حصد الكتّاب مع بداية شهر أكتوبر(تشرين الأول) الحالي نصراً، لكن بالنسبة للممثلين يمكن أن تكون المعركة أصعب؛ إذ أعرب المفاوضون عن قلقهم من أنه لا يزال من الممكن فحص الممثلين في الخلفية مرة واحدة ثم إعادة استخدام صورهم إلى أجل غير مسمى. هذا عدا الاستنساخ الرقمي بتقليص عمر الممثل أو إعادته من بين الأموات. رغم أن الجهات الفاعلة أكدت أنها ستسيطر على هذا الاتجاه، الأكيد أن شركات الإنتاج ما زالت تغدق الأموال على تطوير هذه التقنية التي ستوفر عليهم الوقت والمال. ويرى البعض أن الخطر الذي تشكله هذه التكنولوجيا أصبح وشيكاً لذلك تحاول SAG-AFTRA (نقابة ممثلي الشاشة والاتحاد الأمريكي لفناني التلفزيون والراديو) مواصلة تحركها بشكل استباقي لتنظيم التكنولوجيا التي تزداد قوة كل يوم. قال ديفيد جونكل، أستاذ الدراسات الإعلامية في جامعة شمال إلينوي ومؤلف كتاب (سؤال الآلة): عندما يتعلق الأمر بالملكية الفكرية، الممثلون يتمتعون بحماية أقل من الكتّاب حيث نجح الكتّاب بحماية نصوصهم بحقوق النشر والطبع بينما الوجوه والأصوات لا حماية قانونية لها.

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrx44vb7

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"