فكّ الارتباط الاقتصادي مع الصين

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد الصياد*

خلال اليومين الأخيرين من أول أسبوع في شهر سبتمبر/ أيلول 2023، انخفضت أسهم شركة «أبل» بنسبة 6.4%، أو نحو 200 مليار دولار من قيمتها، بسبب التقارير التي أفادت بأن الصين منعت موظفيها الحكوميين من استخدام أجهزة الآيفون، كهواتف عمل. القرار لا يعني فرض حظر شامل على جميع منتجات أبل في الصين، حتى الآن على الأقل. علماً بأن السوق الصيني يؤمّن نحو 20% من إيرادات شركة أبل، كما توظف الشركة آلاف الصينيين. ما يجعل من الصعب على الصين تعويض عمل هؤلاء العمال. وفي حين أن عدد موظفي الحكومة الصينية ليس معلناً، فقد قدّر «بنك أوف أمريكا» أن مثل هذا الحظر يمكن أن يخفض مبيعات آيفون بما يصل إلى 10 ملايين من أجهزة آيفون سنوياً، من إجمالي مبيعاتها السنوية في الصين، البالغة نحو 50 مليون جهاز.

و«أبل» التي تبيع الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية والأجهزة اللوحية، والساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية وسماعات الواقع الافتراضي والمجوهرات الذكية والنظارات التي تدعم الويب وسماعات البلوتوث، والأكسسوارات، هي الشركة الأعلى قيمة في العالم، بإجمالي إيرادات بلغت في سنة 2022 المالية، نحو 400 مليار دولار. لكن الشركة التي تتخذ من كوبرتينو، كاليفورنيا، مقراً لها، تصنِّع أكثر من 95% من أجهزتها، مثل آيفون وإيربود وماك وآيباد، في الصين. فالصين تقدم لشركة أبل عمالة تتمتع بمهارات متخصصة يصعب العثور على بديل لها بسهولة. لذلك يصعب تخيّل إمكانية تحقيق الدعوات المتزايدة في أمريكا وأوروبا لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين (Decoupling from China). حتى أن صحيفة «فايننشال تايمز» علقت على انخفاض قيمة أبل، بأنه يشكل تحدياً رئيسياً تواجهه شركة أبل في محاولتها نقل سلسلة التوريد الصينية إلى الهند. اللافت هنا، أن طموحات الهند نفسها، لإنشاء قاعدة محلية لتصنيع أشباه الموصلات، تعرضت لصدمة في يوليو/ تموز الماضي، عندما انسحبت شركة التصنيع التايوانية «فوكسكون» من مشروعها المشترك مع مجموعة الموارد الطبيعية الهندية «فيدانتا»، والبالغة قيمته 19 مليار دولار، بعد وقت قصير من إبرام الشراكة. فقد نُظِر في الهند إلى هذه الشراكة التي حملت اسم Vedanta Foxconn Semiconductor Ltd (VFSL)، على أنها المرشح الأوفر حظاً لحزمة الحوافز التي خصصتها الحكومة الهندية البالغة 10 مليارات دولار، الهادفة لبلوغ الهند مكانة بارزة في سلسلة توريد الرقائق العالمية.

مع ذلك، يبدو أن بعض دوائر الحكم في واشنطن لا تزال مصرة على مواصلة سياسة العقوبات التكنولوجية ضد الصين التي بدأت بوضع أحد الرموز الوطنية للتكنولوجيا الصينية: شركة هواوي، على القائمة التجارية السوداء عام 2019. والمفارقة في هذا الصراع التكنولوجي، أنه في حين بلغ معدل رفض هواتف آيفون التي تصنعها شركة تاتا الهندية في مدينة هوسور الصناعية بولاية تاميل نادو، 50% بسبب سوء تغليفها، وفشلها في اجتياز مراقبة الجودة، وبالتالي عدم التمكن من إرسال المنتج النهائي إلى شركة فوكسكون التايوانية، شريك أبل في تجميع وبناء أجهزة آيفون، ما شكل مثالاً نموذجياً للصعوبات التي تواجهها شركة أبل في استبدال الصين بمواقع أخرى، فإن هواوي قد تخطت العقوبات الأمريكية، وعادت بسرعة وبقوة إلى السوق. وبحسب مينغ تشي كو، المحلل في شركة تي إف إنترناشيونال للأوراق المالية، فإن مبيعات هواتف هواوي الذكية، مدفوعة بهاتف ميت 60 برو الجديد، يمكن أن تقفز بنسبة 65% هذا العام إلى 38 مليوناً.

والحال، أن معظم سلاسل التوريد تمرعبر الصين، وهذا هو الهدف من مبادرة الحزام والطريق، التي تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منذ أزمة كورونا، إنشاء سلاسل توريد بديلة، لكنهما حتى الآن لم يتمكنا من تحقيق التكافؤ، والانتقال إلى الهند والمكسيك وفيتنام. ويمكن أن تكون المعادن الأرضية النادرة التي تحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً في مخزوناتها، حجر عثرة في هذا الطريق. لهذا وقع الاختيار الأمريكي على فيتنام التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً، في احتياطيات هذه المعادن، حيث أبرمت واشنطن في العاشر من سبتمبر/ أيلول 2023 مع فيتنام اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8wkpfc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"