د. عبدالعظيم حنفي *
بدأ صعود الصين مع عملية إصلاح اقتصادي استمرت عقوداً في أواخر السبعينات تحت قيادة دنغ شياو بينغ. حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للصين أكثر من أربعة أضعاف بين عامي 1978 و1999. وتسارع صعودها الاقتصادي مع انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2001. ومن أهم مؤشرات ذلك ارتفاع قيمة واردات السلع الأمريكية من الصين من حوالي 100 مليار دولار في عام 2001 إلى 500 مليار دولار في عام 2021. وتعزى هذه القفزة في الواردات جزئياً إلى موقع الصين الحاسم في سلاسل التوريد العالمية؛ تقوم المصانع الصينية بتجميع المنتجات للتصدير إلى الولايات المتحدة باستخدام مكونات من جميع أنحاء العالم. ورغم التوترات السياسية والحظر التجاري والتكنولوجي الأمريكي على الصين، فإن البلدين يعتبران من أكبر الشركاء التجاريين. وفي عام 2020، بلغ إجمالي تجارة السلع والخدمات الأمريكية مع الصين، ما يقدر ب615.2 مليار دولار، وبلغت الصادرات 164.9 مليار دولار، بينما بلغت الواردات 450.4 مليار دولار، وفق بيانات التجارة الأمريكية. كما تشير بيانات مصلحة الجمارك الصينية، إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2021 بنسبة 28.7 %، ليصل إلى 755.64 مليار دولار. وقد حافظت الولايات المتحدة على مكانتها كثالث أكبر شريك تجاري للصين، بعد الآسيان والاتحاد الأوروبي.
يشير العديد من المحللين الأمريكيين إلى الصين باعتبارها المنازع الأكثر احتمالاً كي تتساوى مع القوة الأمريكية وتتجاوزها، وتحكم العالم. وتعتمد بعض التحليلات على بعض استعراضات القوة الصينية على النمو السريع لمعدل مجموع ناتجها القومي، فالصين تمتلك مصادر قوة مهمة أخرى، فمساحتها تعادل مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، وسكانها أكثر بأربع مرات، ولديها أكبر جيش في العالم، وأكثر من 250 سلاحاً نووياً وقدرات حديثة في الفضاء والاقتصاد الإلكتروني (بما فيها أكبر عدد في العالم من مستخدمي الإنترنت). كما أن الصين تتمتع بميزتين كبيرتين باعتبارها قوة تصنيعية. الأولى تمتع قاعدتها الصناعية بعمق لا مثيل له، فهي تنتج كل شي بداية من الأحذية وحتى التكنولوجيا الحيوية المتطورة. الثانية، أنها أصبحت تتمتع بقدرة تنافسية أكبر بفضل المزيج المكون من مجموعات التصنيع والبنية التحتية الممتازة والمصانع المطورة. علاوة على أن الصين سوق هائلة الحجم، ولذا تمارس الإدارة الأمريكية مزيداً من الضغوط على الصين لإفساح المجال أمام شركاتها للعمل في الصين.
في حين ترى دراسات أمريكية أنه من الخطورة بذات القدر أن يبالغ الأمريكيون في تقدير القوة الصينية أو يستخفوا بها، وأن الولايات المتحدة تحتوي على مجموعات لديها حوافز اقتصادية وسياسية كفيلة بدفعها إلى أي من الحالين. يعادل اقتصاد الصين بالدولار نحو ثلثي حجم اقتصاد الولايات المتحدة، لكن العديد من خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تتخطى الصين الولايات المتحدة في وقت ما من ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، وفي خضم تلك النقاشات تظهر دائماً نظرية الانهيار الاقتصادي الصيني وظهرت للمرة الأولى بعد عام 1989، بعد أن طرأت تغيرات كبيرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وكان العالم الغربي يرى أن الصين بلا شك ستكون الدولة التالية التي تتعرض للانهيار. ولكن بعد مرور أكثر من عشرين عاماً، وجدت الصين طريقاً مناسباً لها وحققت صعوداً مدهشاً، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 نمواً يعادل 155 ضعفاً لنظيره في عام 1978، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما حطم نظرية «انهيار الاقتصاد الصيني». كما بدت نظرية «انهيار الصين» في الظهور مرة ثانية بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، فمثلاً أشار كتاب بعنوان «انهيار الصين المقبل» كان قد نشر في عام 2001 بلهجة قاطعة إلى أن النظام الاقتصادي الحالي في الصين سيستمر لمدة خمس سنوات على الأكثر، مضيفاً أن الاقتصاد الصيني بدأ يعاني من حالة ركود وانكماش وسيتعرض للانهيار قبل أولمبياد بكين في عام 2008. كما ظهرت نظرية «انهيار الصين» في المرة الثالثة بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وتمثل جوهرها في نظرية «الانهيار الاجتماعي الصيني». ولكن الصين تغلبت على الضغوط الدولية والانكماش الاقتصادي والمخاوف الاجتماعية، وحققت هدفها بالحفاظ على استقرار النمو، وأدت دوراً مهماً في الاستقرار المالي العالمي.
إن انتشار تلك النظرية في تلك المراحل جعل بعض الصينيين والأجانب متشائمين بشأن مستقبل الصين، وترجع تحليلات صينية ترويج بعض القوى الغربية لتلك النظرية، إلى أن رغبتها في نفي آفاق الصين المشرقة وتقويض ثقة العالم بالصين عبر استغلال حالة الاقتصاد الصيني في بعض الفترات الاقتصادية الصعبة، لتحقيق هدفها الحقيقي الرامي إلى نشر القلق داخل الصين.
* أكاديمي مصري