التنمية واختفاء ظواهر من خرائط إفريقيا

22:50 مساء
قراءة 3 دقائق

د.عبدالعظيم محمود حنفي*

بدأت الجمعيات المهنية في الظهور تباعاً؛ حيث كوّن علماء النبات جمعية خاصة بهم عام 1788، والجراحون عام 1800، والجيولوجيون عام 1820، والفلكيون عام 1820، والإحصائيون عام 1834. وكان الدعم الشعبي «لعلماء» الاقتصاد الجدد عظيماً. وتمّ تنظيم نادٍ للاقتصاد السياسي في لندن في عام 1821. وكان هناك طموح ليتحول هذا النادي إلى جمعية علمية. وبحلول عام 1825 تم إنشاء أول قسم للاقتصاد في إكسفورد. وتلا ذلك ظهور طوفان من الكتب والكتيبات، ومقالات الصحف، ووصل الحماس إلى المجتمع المخملي «المهذب»، وأصبحت هناك موضة في الحديث عن الاقتصاد السياسي بين السيدات الراقيات ذوات الدم الأزرق. وأضاف دافيد ريكاردو بطريقة تكاد تكون ثانوية فضلاً عن الآلات والمعدات للطبعة الثالثة من «المبادئ» وذلك عام 1823. حيث كتب ريكاردو أن التطورات التكنولوجية قد تؤدي إلى جذب الأرباح للحالة الصفرية لبعض الوقت، ولكن على أي حال فإن الميل إلى تناقص التكلفة سيكون محدوداً وضعيفاً؛ حيث إن الاختراعات الجديدة لن تؤدي إلا إلى زيادة عدد السكان. وأي تحسن في المستويات المعيشية للأفراد الاعتياديين سيكون مؤقتاً في أحسن الأحوال. وقد لاقى هذا الرأي استحساناً في أوساط طبقات العمال؛ حيث إن توظيف الآلات والمعدات هو أمر ضارّ لمصالحهم. ومن الغريب أن موضوع التخصص قد اختفى ببساطة من علم الاقتصاد بدخول مالتوس وريكاردو، وذلك بالرغم من أن آدم سميث قد بدأ كتابه به. ولم تظهر جملة «تقسيم العمل» إلا ثلاث مرات في كتاب «مبادئ الاقتصاد السياسي» لريكاردو، وفقط لأغراض متعلقة بنفي دلالة تلك الجملة للجدل الدائر في الكتاب. ولم تذكر جملة «تقسيم العمل» إلا مرة واحدة في الطبعة الأولى من كتاب «مالتوس» مقالات.

استنبط الاقتصادي «بول كروجمان» حكاية رمزية بسيطة منذ عدد قليل من السنوات ليفسر هذا «التفريغ» الذي يحدث في بعض الأحيان عندما يقوم العلماء بتبني الطرق الرسمية. وكان لقصته علاقة باختفاء ظواهر معينة من خرائط إفريقيا، التي كان قد تم إعدادها في عقود رئيسية خلال القرن الثامن عشر. الخرائط في حد ذاتها كانت لها قصة قديمة، وذلك كما كتب «كروجمان» في كتاب صغير بعنوان «التنمية والجغرافيا والنظرية الاقتصادية». كان التجار العرب يبحرون في البحر الأبيض المتوسط منذ القرن الثاني عشر وما بعده. ومنذ ذلك الوقت اتجه البرتغاليون للإبحار نحو الجنوب، وفي القرن الخامس عشر كانت خرائط إفريقيا قد اكتملت بشكل أو بآخر. حيث لم توضح تلك الخرائط الشواطئ بطريقة معقولة فحسب، ولكنها تضمنت معظم التفاصيل الرئيسية للقارة من الداخل، المكان التقريبي ل «تمبكتو» على سبيل المثال.

المشكلة أنه لم يكن يمكن الاعتماد على الخرائط القديمة بشكل كامل؛ حيث إنه كان يتم تقليل المسافات أو المبالغة فيها. كما أن جميع الظواهر الداخلية للقارة من الداخل لم تكن صحيحة. فيما بعد، في أوائل القرن الثامن عشر، بدأ تفريغ الخرائط المنشورة حديثاً. بدأت الطرق العلمية الجديدة لإعداد الخرائط في الظهور. طرق قياس خطوط العرض، وتبعتها بوقت قليل، طرق قياس خطوط الطول. وقبل التوصل إلى هذا الحد الفاصل. كان العاملون في مجال الخرائط يكتفون بسؤال المسافرين داخل القارة، ويستعينون بآرائهم عن طريق وضع المعلومات التي وصفها هؤلاء المسافرون على الخرائط. أما الآن فلم يعيروا الانتباه إلا للدلائل الواقعية. «فقط معالم الأرض التي قام بزيارتها أشخاص موثوق بمعلوماتهم والذين تم تزويدهم بالسداسيات والبوصلات التي تمكنهم من عملهم»، وذلك وفقاً لكتابات كروجمان. وبذلك تم استبدال الخرائط التفصيلية القديمة لبعض الوقت بفكرة «إفريقيا الأكثر ظلمة». لكن لم تطل تلك الفترة الزمنية، ففي بداية القرن التاسع عشر، سمحت الطرق الرسمية للقياس بوضع التفاصيل على الخرائط بيقين ودقة لم يكن من الممكن التوصل لهما بأي طرق أخرى.

*اكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4csfu3

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"