طه حسين والسينما

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
عودة إلى ما انتهينا إليه في مقال الأمس عن إشارة الناقد السينمائي سمير فريد إلى مقالات كتبها طه حسين عن السينما، بينها مقالة بعنوان «جان بول سارتر والسينما». أوقعتني هذه الإشارة في فضول للاطلاع على تلك المقالة، فوجدتها أشبه بالدراسة، فهي تقع في عديد الصفحات، وفيها ينطلق العميد مما سيضمّه، لاحقاً، كتاب سارتر «ما الأدب؟»، الذي بدأ الكاتب في نشر فصوله على حلقات في مجلة «الأزمنة الحديثة»، ولن يكون يسيراً إيجاز ما استوقف طه حسين في كتابة سارتر عن السينما، نظراً لضيق المساحة، والأجدر هو أن يعود القارئ إلى المقال كاملاً ليلمّ بما ورد فيه، لكن ذلك لن يمنعنا من إيراد بعض الإشارات التي نحسبها مهمة.

استوقفت طه حسين في دراسة سارتر ملاحظته، وهو يتناول وسائل الاتصال بين الأديب والجمهور، حول «أن العصر الحديث قد ابتكر لهذا الاتصال وسائل لم تكن معروفة من قبل، وأن هذه الوسائل طغت وأسرفت في الطغيان على الوسائل القديمة»، معطياً المثال، في ذلك الوقت، على الصحف والمجلات التي أصبحت أكثر اتصالاً بالجماعات وتغلغلاً بين طبقاتها من الكتب، ثم الراديو الذي فاق تأثيره تأثير تلك الصحف والكتب، ليخلص إلى أن «السينما أكثر دعاء وأشدّ استهواء للجماعات على اختلاف طبقاتها حتى من التمثيل المسرحي». وللتدليل على ذلك يورد طه حسين ملاحظة سارتر حول أن مسرحية قصيرة من مسرحياته حظر تمثيلها في بريطانيا، ولكنها أذيعت في الراديو البريطاني، فكانت النتيجة أن الذين استمعوا لها من الإنجليز أكثر مرات كثيرة من الذين كان يمكن أن يشهدوها في ملعب التمثيل.

وبعد استعراض قدرات الوسائل المختلفة في إيصال رسالة الأدب إلى الجمهور، وقف طه حسين عند محاولة سارتر أن يتخذ السينما وسيلة ليتصل بالجماعات الضخمة المتباينة في البلاد المختلفة المتتالية في وقت واحد، «وواضح جداً أن الكتاب والصحيفة والمجلة لا تقرؤها الجماهير مجتمعة، أما السينما فهي تملك من وسائل التيسير ما لا تملكه الكتب ولا الصحف ولا الراديو ولا التمثيل. فالقصة الواحدة إذ أعدت للسينما تستطيع أن تغزو الأرض كلها في وقت واحد، وتشهدها جماعات النظّارة في جميع أقطار الأرض في غير مشقّة»؛ لأن السينما تستعين بالحديث بأشياء لا يستطيع الكتاب أن يستعين بها، ففيها الحركة وفيها اختلاف المناظر، وفيها «ما تمتاز به المناظر من القدرة على التأثير المباشر من طريق الأشياء، لا من طريق الألفاظ».

لو أن طه حسين عاش في زمننا هذا، لكان على الأرجح تناول علاقة الأدب بما يصحّ وصفه ب «ما بعد السينما».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mftac7d

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"