تكرار التجربة والنتيجة المختلفة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا ترى أن العلاقات الدولية باتت بعبعاً مرعباً؟ لك أن تتذكر قول ابن الرومي: «يُفَزّعُ الصّبْيةُ الصغارُ بهِ.. إذا بكى بعضهم ولم يَنَمِ». لقد غدت العلاقات مخيفةً جرّاء الانسدادات التي أصيبت بها، وهي مثل الشرايين التي تتراكم فيها الدهون الضارة، فيتحول الكوليسترول إلى سُداد. مثل الشعيرات الدموية والقصبات الهوائية التي يُمسك بخناقها النيكوتين، ويصرخ كالقبضاية: النفس لا، فالطريق مغلق.

لا شك في أن أينشتاين محقٌّ في مقولته: «الجنون هو أن تكرّر الشيء نفسه مراراً، وتنتظر نتيجةً مختلفة»، لكن فاتته نقطة مهمّة، وهي أن ذلك التكرار يأتي بالنتيجة نفسها، إذا كان موضوع الاختبار مادّةً جامدة. كان عليه توضيح أن محور التجربة إذا كان إنساناً، شعباً ينتمي إلى أمّة، فإن النتائج لن تكون نُسخاً متطابقةً على مرّ السنين. يقول القلم: إن الشعوب ليست أكياس ملاكمة. ثم إن الأمر إذا تكرّر على النحو ذاته مرّة أو مرّتين، فإن ذلك لا يمكن أن يكون قاعدة مطلقة.

نعود إلى مشهد الانسدادات. العلاقات الدولية، جعلها منطق القوة ثقافة يريد الأقوياء أن تسود العالم بغير منازع، كدستور يخضع له الجميع من دون نقاش. لكن هذا المسار ينظر إلى الخرائط وكأنها مجرّد جغرافيا طبيعية وجغرافيا اقتصادية خالية من العنصر البشري، أي سهول وجبال وأنهار وغابات حافلة بالغاز والنفط والمعادن وأصناف أخرى من المواد الأولية، جاهزة منذ بدء الخليقة لوضع اليد عليها.

هذه لا ثقافة يمكن نشرها وقبولها، ولا قيم حضارية قابلة للترويج لها، وحتى إذا أُرغم جيل أو جيلان على التسليم لها كرهاً، فإنه لا أحد يقدر على ضمان أن المياه ستظل راكدة أبدَ الآبدين. من يستطيع الجزم عند حدوث رفّة الفراشة، بأن الرفّة ستوضع على الرفّ كسابقاتها؟ إصابة المنظمات الدولية بالشلل ليس دعابة يمكن هضمها على الدوام؛ لأنه ليس في الإمكان سدّ باب مملكة نمل، سيخرج من مكان آخر، سيثقب الصخر، فما بالك بمجتمع بشري؟ كيف يُعقل لدى عاقل أن يظل الناس على ما كانوا عليه قبل قرن؟ على العقلاء أن يخترعوا الحلول.

هذه الثقافة الخائبة التي ظن الأقوياء أنهم سيفرضونها إلى الأبد، أثبتت أنها غير صائبة، بالتالي لا يمكن أن يقوم عليها سلام دائم. لقد قامت على وهم أن القضم سيؤدي إلى الاهتراء فالاندثار. لقد قاسوا على ما يجري على الجمادات. كان في الإمكان إيجاد حلول أقل كلفة وتبعات لو كان في الجماجم وعي وعقل وحصافة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإنقاذيّة: الشعوب لا تستطيع الاستغناء عن حقها في الحياة، فعلى الأقوياء أن يروّضوا غرائزهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/f3cryy5e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"