د. عبدالعظيم حنفي*
عندما استضافت بكين، يوم 17 أكتوبر 2023، المنتدى الثالث لمبادرة «الحزام والطريق»، الذي استمرت فعالياته حتى 18 أكتوبر. يكون قد مر عقد على إنشائه. وحضر المنتدى عدد من القادة ورؤساء المنظمات الدولية، إلى جانب ممثلين عن أكثر من 130 دولة، بضيافة الرئيس الصيني، شي جينبينج منشئ المبادرة ومهندسها.
تعد مبادرة الحزام والطريق الصينية، استراتيجية عالمية للبنية الأساسية والتنمية، ترمي إلى الارتباط بآسيا وإفريقيا وأوروبا من خلال شبكة من الطرق التجارية البرية والبحرية، منذ إطلاقها في عام 2013، نقطة تحول مهمة في سياسة الصين الخارجية، كما أنها أصبحت من أطمح مبادرات التنمية في التاريخ وأوسعها مدى. وهي في نظر الكثيرين في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، محاولة من الصين لإعادة صياغة النظم السياسية الإقليمية بما يصب في صالحها. ومحاولة صينية لتعزيز نفوذها في أوراسيا، وتدشين نفسها قوة عظمى بمقدورها المنافسة على مناطق النفوذ. وأن المبادرة من الممكن أن تحقق «الحلم الصيني» الذي يدعو إليه الرئيس الصيني الذي تعهد عند الإعلان عن المبادرة باستثمار 124 مليار دولار في البنى التحتية، وهو ما رأته مراكز الدراسات الأمريكية فرصة لمد يد العون لشركات الحديد والأسمنت الصينية التي تعاني التخمة، وأن شركات التشييد الصينية ستستفيد من المبادرة عبر إبرام صفقات والسماح بسفر آلاف من العمال الصينيين للعمل في الخارج، وبأن معظم الأموال التي سيتم تقديمها من خلال المبادرة، ستكون في صورة قروض من البنوك الصينية، ما يعني -حسب تلك المراكز- أن دولاً فقيرة ستعاني وطأة الديون.
وقبيل انعقاد المنتدى الثالث للحزام والطريق، سادت تحليلات تتسم بالتشاؤم وترى أن مبادرة الحزام والطريق ماتت، وأنها تلقت ضربة مزدوجة بسبب «كوفيد-19» والمشاكل الاقتصادية في البلاد، ما أدى إلى خفوت وعود الصين بمساعدة الدول التي سترتبط بها عبر المبادرة. مع تراجع إجمالي نشاط الصين في دول مبادرة الحزام والطريق بنحو 40% عن ذروته في عام 2018، مع تباطؤ نموها الاقتصادي، وهبط متوسط صفقات الاستثمار في المبادرة 48% من ذروة عام 2018 إلى نحو 392 مليون دولار في النصف الأول من هذا العام، وفقاً لدراسة أجراها مركز التمويل الأخضر والتنمية في شنغهاي بجامعة فودان الصينية.
وأظهرت دراسة نشرت يوم 28 مارس (2023)، أن الصين أنفقت 240 مليار دولار على الإنقاذ المالي لما يصل إلى 22 دولة نامية بين عامي 2008 و2021، وأن المبلغ زاد في السنوات القليلة الماضية مع مواجهة مزيد من الدول لمصاعب في تسديد القروض التي أُنفقت على البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق. وأشار التقرير الذي أعده باحثون من البنك الدولي وكلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد وإيد داتا ومعهد كيل للاقتصاد العالمي، إلى أن ما يقرب من 80% من قروض الإنقاذ كانت بين عامي 2016 و2021، ومعظمها لبلدان ذات دخل متوسط، بما في ذلك الأرجنتين ومنغوليا وباكستان.وقدمت الصين قروضاً بمئات المليارات من الدولارات لتشييد البنية التحتية في البلدان النامية، لكن الإقراض ينحسر منذ عام 2016. وأن بكين تحاول في نهاية المطاف إنقاذ بنوكها.
وفي نهاية المنتدى أعلنت جمهورية الصين الشعبية توقيعها اتفاقيات تتخطى قيمتها حاجز ال64 مليار دولار، خلال قمة مبادرة الحزام والطريق، التي سجلت صفقات وصل إجمالي قيمتها إلى 3.67 تريليون دولار.
وعلى النقيض من المتشككين الذين اعتقدوا أن بكين قد تجاوزت مبادرة الحزام والطريق، فإن الصين سوف تستمر في الدفع بمبادرتها. وكما ينص الكتاب الأبيض، فإن «الصين ستواصل الترويج لمبادرة الحزام والطريق باعتبارها خطتها الشاملة وتصميمها عالي المستوى للانفتاح والتعاون الدولي المربح للجانبين».
* كاتب مصري