لغتك هي أُمّك..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

بعض الزملاء من الشعراء تحديداً أخذ على مقالة أمس التي تتحدث عمّا يشبه الاضطهاد الذي وقع على كتّاب كبار في العالم من جانب نظم بلدانهم السياسية والأخلاقية، أن المقالة كان ينقصها إضافة بريطانيا إلى مثل هذه الظاهرة المُعَيّنة في الكثير من الكتابات الغربية، ويقول البعض إن العنصرية الثقافية والعرقية التي عاناها كتّاب كبار وقعت أيضاً، بشكل أو بآخر على (ت. س. إليوت) في بريطانيا؛ بل، يذهب البعض إلى أكثر من ذلك حين يرون أن (شكسبير) لم يكن دمه إنجليزياً تماماً، وإذا لم تضطهد بريطانيا بعض كتّابها على أساس فكري أو أيديولوجي أو حتى سياسي، فإنها اضطهدت بعض الكتّاب الآسيويين والأفارقة والعرب، لكن المهم هنا هو اللغة والشعر الإنجليزي في حدّ ذاته.. الشعر دون الرواية، والمسرح، والآداب عموماً، فهو في الصورة الكلية كما قرأنا ترجماته إلى العربية شعر بارد، خفيف وضبابي مثل ضباب لندن، شعر بلا روح، وبخاصة الشعر المعاصر الذي يكتبه شعراء شباب اليوم في بريطانيا لا يكفّون عن هجاء الروح المادية الباردة في بلادهم (الإمبراطورية) التي إلى وقت قريب كانت إحدى الإمبراطوريات الاستعمارية (التي لا تغيب عنها الشمس).

..غير أن الشمس غابت عن الإمبراطورية وغابت أيضاً عن القصيدة الإنجليزية الحديثة، وأقصد شعر العقود القليلة الماضية المنزوع الروح والحرارة والنبض البشري أو الإنساني.

اقرأ الشعريات الآسيوية والإفريقية بشكل خاص.. تلك الشعريات الإنسانية الحديثة وقارنها بشعر الثقافة الإنجليزية المادية؛ بل، قارن تجلّيات الروح الشرقية عموماً مع النموذج الأدبي الإنجليزي، لتكتشف أن قاع هذا النموذج إنما يقوم على فكر استعماري مُصَفّى، وبالطبع، ليس بالضرورة أن يكون هذا الفكر فكراً سياسياً؛ بل إن فكرة الاستعمار هنا قد تتكثّف وبصورة مركّزة في اللغة.

اللغة الإنجليزية في الأصل لغة استعمار سياسي، تحوّلت إلى لغة استعمار ثقافي، وأصبح اليوم من لا يعرف الإنجليزية أو لا يقرأ ويكتب بها هو جاهل أو أمّي، غير أن حقيقة هذه اللغة هي أنها من أسهل وأبسط لغات العالم كلّها، والغريب هنا، أن هذه السهولة وتلك البساطة هما بالضبط برهانان عمليان على سذاجة هذه اللغة، ومجّانيتها العالمية..

..أن تتكلم أو تكتب أو تقرأ بالإنجليزية ليس استثناءً وليس امتيازاً.. بل هو شكل من أشكال التبعية والعبودية الثقافية العمياء.

.. اقرأ واكتب وتكلم بلغتك الأم.. هي وطنك وهويتك وأمك..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhexdtd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"