الابتكار الأخضر والاقتصاد

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

شهد العالم عقوداً من التقدم في الابتكارات الخضراء، من السيارات الكهربائية والهيدروجين النظيف إلى الطاقة المتجددة وتخزين البطاريات. لكن في الآونة الأخيرة، تباطأ الزخم، ولم تعد التكنولوجيات الواعدة تنتشر بالسرعة الكافية إلى البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص للحد من الانبعاثات.

وفي الوقت الذي بلغ فيه الابتكار الأخضر ذروته عام 2010، باستحواذه على نسبة 10% من إجمالي براءات الاختراع المقدمة، شهدت وتيرة الابتكارات منذ ذلك الحين انخفاضاً طفيفاً وتباطؤاً بسبب عوامل مختلفة، أبرزها خفض أسعار النفط والنضج التكنولوجي في بعض التقنيات مثل مصادر الطاقة المتجددة.

وبات تباطؤ الزخم الحاصل هذا مثيراً للقلق بشكل خاص، فالابتكار الأخضر ليس مفيداً لاحتواء تغير المناخ فحسب؛ بل لتحفيز النمو الاقتصادي أيضاً.

وبينما يواجه العالم واحدة من أضعف توقعات النمو لخمس سنوات في أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تتعاظم الفوائد المرجوة من عودة الزخم كثيراً، فهي تهدئ المخاوف بشأن تكاليف متابعة خطط مناخية أكثر طموحاً. وتُعجل بالإبداع «المنخفض الكربون» ونقله إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

وقد أظهرت أبحاثنا في صندوق النقد أن مضاعفة براءات الاختراع الخضراء عن مستوياتها الحالية يمكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7% بعد خمس سنوات مقارنة بالسيناريو الأساسي. وهي نسبة أقل من تقديراتنا الأكثر تحفظاً التي تُظهر ما يصل إلى أربعة أضعاف هذا التأثير.

في غضون ذلك، تتدفق الفوائد الاقتصادية المترتبة على الابتكار الأخضر في أغلب الأحيان من خلال زيادة الاستثمار في السنوات القليلة الأولى. لكن بمرور الوقت، تتكشف فوائد النمو الإضافية من الطاقة الرخيصة وعمليات الإنتاج الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة. والأهم أنها تأتي على شكل انحباس حراري عالمي أخف، وكوارث مناخية أقل تواتراً وكلفة.

ويرتبط الابتكار الأخضر بمزيد من الابتكارات بشكل عام، وليس مجرد استبدال التكنولوجيات الخضراء بأنواع أخرى.

وقد يكون هذا بسبب أن التكنولوجيات الخضراء غالباً ما تتطلب أفكاراً تكميلية لخططها. فالمزيد من الابتكار يعني عادة المزيد من النمو الاقتصادي. والسؤال الرئيسي هنا، كيف يمكن للبلدان أن تعمل على تعزيز الابتكار الأخضر ونشره بشكل أفضل؟

وللإجابة عن ذلك، نسلط الضوء على الكيفية التي تحفز بها سياسات المناخ المحلية والعالمية الابتكار الأخضر. فعلى سبيل المثال، تميل الزيادة الكبيرة في أعداد تلك السياسات إلى تعزيز نسب براءات الاختراع الخضراء لتعود إلى 10% من الإجمالي في غضون خمس سنوات.

وتشمل بعض السياسات الأكثر فاعلية لتحفيز الإبداع الأخضر خطط مقايضة الانبعاثات للحد منها، وتعريفات التغذية التي تضمن الحد الأدنى من الكلفة لمنتجي الطاقة المتجددة من الأفراد والشركات، إضافة إلى الإنفاق الحكومي مثل إعانات الدعم للبحث والتطوير. علاوة على ذلك، تؤدي سياسات المناخ العالمية إلى زيادات أكبر بكثير في الابتكار الأخضر مقارنة بالمبادرات المحلية وحدها. وتعمل الاتفاقيات الدولية، مثل «بروتوكول كيوتو»، واتفاق باريس، على تضخيم تأثير السياسات المحلية على الابتكار الأخضر.

والسبب الآخر هو أن السياسات المناخية في البلدان الأخرى تولد ابتكارات ومعرفة خضراء يمكن استخدامها في الاقتصاد المحلي.

ويُعرف هذا باسم نشر التكنولوجيا. وأيضاً تعمل الإجراءات السياسية المتزامنة مع الالتزامات المناخية الدولية على خلق قدر أكبر من اليقين بشأن الإجراءات المناخية المحلية، لأنها تعزز ثقة الناس في التزام الحكومات بالتصدي لتغير المناخ.

كما أن السياسات المناخية تساعد على نشر استخدام التكنولوجيات المنخفضة الكربون في البلدان التي لا تعد مصادر للإبداع، من خلال التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر. وبالفعل، تشهد البلدان التي تطبق سياسات مناخية صارمة زيادة في واردات التكنولوجيات المنخفضة الكربون، ونمواً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأخضر، وخاصة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

ومن الممكن أن يؤدي خفض التعريفات الجمركية على التكنولوجيات المنخفضة الكربون إلى زيادة تعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر في التكنولوجيات الخضراء. وهذا مهم بشكل خاص بالنسبة للبلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، حيث تظل هذه التعريفات مرتفعة. وعلى الجانب الآخر، فإن المزيد من تدابير الحماية من شأنها أن تعيق الانتشار الأوسع للتكنولوجيات المنخفضة الكربون.

وبالنظر إلى الأدلة على وفورات الحجم، فإن الحمائية، مع وجود أسواق محتملة أصغر، يمكن أن تخنق في نهاية المطاف حوافز الابتكار الأخضر، وتحد من جهود الدول ذات الصلة.

وتتفاقم مخاطر الحمائية عندما لا تلتزم السياسات المناخية، مثل الإعانات، بالقواعد الدولية. وعلى سبيل المثال، تقوض المتطلبات المحلية، التي بموجبها تستفيد السلع الخضراء المنتجة محلياً فقط من الإعانات، الثقة في قواعد التجارة المتعددة الأطراف ويمكن أن تؤدي إلى تدابير انتقامية.

لكن، بعيداً عن تبني نهج قائم على القواعد في التعامل مع سياسات المناخ، تتحمل الاقتصادات المتقدمة، حيث يحدث أغلب الإبداع الأخضر، مسؤولية بالغة الأهمية. وعليها مشاركة التكنولوجيا مع بقية العالم حتى تتمكن الاقتصادات الناشئة والنامية من اللحاق بالركب بشكل أسرع، ما يعود بفوائد مزدوجة للجميع: خفض الانبعاثات ودعم الاقتصاد.

* صندوق النقد الدولي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2t5h74bj

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"