منطقة اليورو.. بين التضخم والركود

21:56 مساء
قراءة 3 دقائق

معهد «ميزس»

انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي في منطقة اليورو، الذي أعدته مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر، عند 43.1 نقطة في أكتوبر/تشرين الأول، وهو الشهر السادس عشر على التوالي من الانكماش.

ومع ذلك، يميل المحللون الأوروبيون إلى تجاهل تراجع قطاع التصنيع بحجة أن نظيره الخدمي أكبر وأقوى من المتوقع، لكنه في واقع الأمر ليس كذلك. فحتى مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات انخفض إلى 47.8 نقطة، في أدنى مستوى له في اثنين وثلاثين شهراً. كما شهد المؤشر المركب ذاته في منطقة اليورو انكماشاً عميقاً أيضاً عند 46.5 نقطة، وهو أدنى مستوى في خمسة وثلاثين شهراً.

ويلقي بعض المحللين اللوم على أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، لكن هذا ليس له أي معنى. فأزمة الطاقة انعكست إلى حالتها الطبيعية على الفور تقريباً، بالتالي، كان لابد أن تتفوق منطقة اليورو في الأداء على الولايات المتحدة والصين.

وفي الفترة بين مايو/أيار 2022 ويونيو/حزيران 2023، تراجعت جميع السلع الأساسية، بما في ذلك الغاز الطبيعي والنفط والفحم، وكذلك القمح، وهبطت إلى مستويات ما قبل حرب أوكرانيا. فقد أدى فصل الشتاء المعتدل وتأثير الانكماش النقدي إلى خلق حافز قوي كان من المفترض أن يساعد منطقة اليورو، دون أن يكون هناك انقطاع في الإمدادات. وفي الواقع، ساعدت مساهمة القطاع الخارجي في الناتج المحلي الإجمالي المنطقة على تجنب الركود، حيث ظلت الصادرات في حالة جيدة، مقابل انخفاض الواردات.

ويعتبر أيضاً إلقاء اللوم في الركود الحاصل لمنطقة اليورو على السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي أمراً غير عادل إلى حد كبير. وكما أثبتت الدراسات، فإن التضخم غير المقبول في المنطقة كان راجعاً إلى النمو النقدي المفرط، في ظل التساهل الكبير الذي انتهجته السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي. ومع ذلك، هناك جانب من المسؤولية الملقاة على عاتق البنك من خلال برنامج مكافحة التجزئة المربك الذي استخدمه لدعم ديون البلدان غير المسؤولة مالياً. وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي تمثل أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، مقارنة بنسبة 30% للاحتياطي الفيدرالي.

وفي السياق، لا تزال السياسة المالية والنقدية الأوربية توسعية، وباستطاعة الحكومات أن تنفق ما تشاء، حيث لا قواعد ولا حدود مالية. ولذلك فإن الظروف المالية والنقدية الميسرة هي في الغالب حلماً مأخوذاً من مقالة الاقتصادي جون كينز عام 1930 «الإمكانات الاقتصادية لأحفادنا»، والذي توقع فيها أن يعمل الناس في المستقبل خمس عشرة ساعة فقط أسبوعياً، وأنه في غضون مئة عام سيكون مستوى الحياة في البلدان المتقدمة أعلى بأربعة إلى ثمانية أضعاف.

الآن ضع كل هذا معاً: حزم التحفيز الضخمة، والإنفاق بالاستدانة، والسياسة النقدية التيسيرية، والدعم الخارجي بالغاز الطبيعي والفحم الرخيصين. والنتيجة: انعدام النمو، وإلقاء اللوم على تباطؤ الصين هو بكل تأكيد أمر غير منطقي. فلو كان نمو منطقة اليورو مدفوعاً بالصادرات إلى الصين، لما كانت ألمانيا على وشك الركود، ولا حققت فرنسا وإيطاليا على سبيل المثال نمواً صفرياً في عام 2019. بل على العكس، تزامن النمو الضعيف لمنطقة اليورو بين عامي 2011 و2019 مع فترة من التوسع غير العادي للصين.

إن لعنة منطقة اليورو ليست الصين، أو ارتفاع أسعار الفائدة، أو الحرب الأوكرانية؛ بل تكمن في التخطيط المركزي، من خلال دعم القطاعات القديمة والشركات الميتة الحية، وتضخيم الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب بشكل كبير على القطاعات الأكثر إنتاجية، ما يؤدي إلى تهميش التكنولوجيا والصناعة والقطاعات العالية الإنتاجية. ويشكل الإنفاق الحكومي الحالي الآن المكون الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي في دول مثل فرنسا أو بلجيكا، وهو في ارتفاع مستمر في مختلف أنحاء القارة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzyh2a9

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"