ملهاة حبلى بالمأساة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

من هو ذلك النابغة الذي يستحقّ أن يضيفه ابن الجوزي إلى «أخبار الحمقى والمغفلين»، مكافأةً على اقتراحه أن يتولى طوني بلير حكم غزّة يوم تضع الحرب أوزارها، بينما هو ما رآها أو زارها؟

مقترح عجيب مريب أن يُعيَّن رئيسُ الوزراء الأسبق كمندوب سام، بفرمان لا من التاج البريطاني، بل من العم سام، لكنه في نهاية المطاف يعني إعادة الانتداب البريطاني إلى فلسطين. فكرةُ تعيين طوني بلير، لا يُشترى منها «طنّ بليرة».

يبدو أن العرب لم يكونوا يعلمون ولا حتى قطرةً من بحر عبقرية الدماغ الغربي، الذي يرى الشعوب قطعاناً لا تحتاج إلى أكثر من راعٍ وعصاً يَهشُّ بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، مع تنقيحات ضرورية تستدعيها ظروف تحوّلات الزمن. العصا التاريخية كانت تنضو عنها ثوب الخشب، وتتحول إلى حيّة تسعى، اليوم صار الراعي المفروض فرضاً، يُلقي عصاه فإذا هي دبّابة تسعى، أو طائرة تُبيد الرعيّة والمرعى.

مرّ على الانتداب البريطاني على فلسطين قرن وثلاث سنوات، واستمرّ حتى عام 1948. بعد مئة سنة ونيّف، لا يزال الشعب الفلسطيني في نظرهم قاصراً يحتاج إلى وليّ أو وصيّ. لهذا لا يستطيعون استيعاب أن تكون له دولة. مسكين طوني بلير، بعد أيّام العز والأبهة في «10 داونينج ستريت»، يريدون إجلاسه على عرش أنقاض بنايات وبيوت، تجسيداً للعصر الحجري. قد تتفتّق قرائحهم عن مقرّ حكم للمندوب السامي في قبو مستشفى «الشقاء» في غزّة.

قال القلم: رويدك مهلاً، فالمقترح لا يخلو من خيال علميّ بأثر رجعي، إذا أخذناه وقسنا عليه. تخيّل أنه عندما تتحقّق إعادة فلسطين إلى عهد الانتداب البريطاني بسحر آلة الزمن، فمعنى ذلك أن هذه السابقة ستتيح استنساخَها وإعادةَ الأندلس إلى العرب والمسلمين، فيجودك الغيث، إذا الغيث همى.. يا زمان الوصل بالأندلس، مع إعلان هذا الموشح نشيداً وطنيّاً، يومئذ نشهد العشرات من عبدالرحمن الداخل، هذا داخل وذاك خارج، والعشرات من صقر قريش.

قلت: ويحك، ما الذي أصابك؟ أبهذه الأوهام تقارب قضايا الجغرافيا السياسية والجيوستراتيجية؟ أهكذا يكون العاقل معصوب العقل في الظروف العصيبة؟ قال: والله ما بي مسّ من الجنون، ولكن ما ظل للعقل موطئ قدم نملة في جماجم الممسكين بقرني الثور اللذين يقف عليهما العالم. شعوب الغرب بالذات استيقظت من التخدير التضليلي الإعلامي، فالرياح لم تعد تجري بما تشتهيه سفن النظام العالمي القديم. باتت السفن «في بحار تئنُّ فيها الرياحُ.. ضاع فيها المجداف والملّاحُ».

لزوم ما يلزم: النتيجة التوازنية: على العالم العربي أن يفكّر، لله في سبيل الله، على نحو جماعي، فإن تلك المضحكات قد تأتي على الجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt4ae9td

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"