من يحكم.. القانون أم الذكاء الاصطناعي؟

21:38 مساء
قراءة 3 دقائق

مارغريت هو*

كان إصدار «تشات جي بي تي» منذ نحو عام، إيذاناً باعتراف واسع النطاق بأن عصر الذكاء الاصطناعي قد وصل بالفعل. ومع قدومه، يحتدم النقاش العالمي المثير للجدل، والمشتعل أساساً منذ سنوات، حول مستقبل حوكمة الذكاء الاصطناعي. ونحن اليوم نقف على مفترق طرق: إما أن يخضع الوافد الجديد لحكم القانون، أو يفرض سطوته عليه.

مؤخراً، تناولت لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في مجلس الشيوخ هذه القضية بشكل مباشر في جلسة استماع حول فلسفة الذكاء الاصطناعي والتعلم من التاريخ لرسم المستقبل. وركزت الجلسة على الأبعاد الفلسفية والتاريخية لحوكمة القطاع، واستكشفت على وجه التحديد الوعود والقيود المفروضة على كل من القانون والذكاء الاصطناعي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن جزءاً مما يجعل تنظيم الذكاء الاصطناعي أمراً صعباً للغاية، هو أن الأنظمة تصل إلى ما هو أبعد من مكوناتها التقنية ومنتجاتها المحددة، وهو ما يمكن وصفه بالقوة الفلسفية التي تقود لفهم التأثير بشكل أفضل. فالذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي والخوارزميات والمجموعات الفرعية الأخرى من الصناعة، لا تعمل في غياب السياق الذي يتم تطويرها وتنفيذها من خلاله ولأجله. فهي أدوات تملك العلم والمعرفة، وتضيف أكثر لرصيدها من خلال استيعاب الروايات الجماعية وانعكاس التسلسلات الهرمية القائمة على أساس الهياكل التاريخية والفلسفية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة مسبقاً في محركات البحث والشبكة العنكبوتية.

في العام الماضي، تدفقت مليارات الدولارات على استثمارات الذكاء الاصطناعي، ما زاد من الحاجة إلى حوار حول حوكمته على أساس الحقوق. وللقيام بذلك، يمكننا أن ننظر إلى دستور الولايات المتحدة كمثال.

فدستور البلاد مستوحى من فلسفة «كيفية ضمان الحقوق وضبط تنامي السلطة»، كما أنه يفصل القوة ويحقق اللامركزية فيها، ويضع الضوابط والتوازنات لتجنب إساءة استخدامها، ويجب أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي بنفس الطريقة تقريباً. فالدستور والذكاء الاصطناعي مفهومان فلسفيان للغاية، ووضعهما جنباً إلى جنب يتيح لنا فهم كيف يمكن أن يكونا في حالة توتر على المستوى الفلسفي. لكن إذا نظرنا إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مجرد تقنية، فلن نستطيع معرفة كيف يمكن له أن يتحول إلى فلسفة حاكمة تحاول منافسة فلسفة الحكم للديمقراطية الدستورية.

في الديمقراطية الدستورية، سيادة القانون تسبق السلطة. وقد دعم مؤسسو الولايات المتحدة رؤية المساواة، والحقوق غير القابلة للتصرف، والحكم الذاتي. وكان التوقيع على إعلان الاستقلال، والمؤتمر الدستوري، والتصديق على وثيقة الحقوق، نتاجاً لصراع تاريخي وفلسفي عميق. فهل سيتم اعتماد الذكاء الاصطناعي بطريقة تتفق مع فلسفتنا الدستورية، أم أنه سيغيرها، ويؤدي إلى تآكلها؟

يتم اليوم بالفعل تمرير الذكاء الاصطناعي لأغراض الحوكمة. وعلى نحو متزايد، تتدفق الحقوق التعبيرية الأساسية عبر شركات التكنولوجيا، ويمكن تغييرها وإعادة تشكيلها واستخدامها كسلاح لتقويض القيم الديمقراطية. ونحن الآن عند منعطف حرج، حيث يتعين علينا أن نتصارع مع ما إذا كان من المفترض أن يتم التوسط في الحقوق الدستورية ووظائف الحوكمة الأساسية من خلال المؤسسات التجارية وتقنيات الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، وإلى أي مدى؟

فمع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، ستنمو العديد من المخاطر الهيكلية والمعرفية بكيفية وسرعة كبيرتين أكثر مما يمكن توقعه. من إعادة النظر في تعريفات الشخصية والمواطنة، وإغفال دور المعرفة البشرية، إلى تآكل الخصوصية وفصل الواقع عن الخيال، مروراً بحملات التضليل الممنهجة، وتداعيات الأمن القومي المثيرة للقلق بشكل خاص، وغيرها من المخاطر والجوانب التي لا نستطيع حتى التنبؤ بها، والتي قد يستغلها الخصوم بشدة محلياً ودولياً.

إن العلوم الإنسانية والفلسفية التي أكدت على «ديمقراطيتنا التناظرية» يجب أن تكون بمثابة دليل يرشدنا إلى «الديمقراطية الرقمية». وإذا نظرنا إلى الذكاء الاصطناعي بشكل حرفي للغاية باعتباره مجرد تقنية، فإننا نخاطر بعدم إدراك تأثيره بشكل كامل، وما قد يجلب معه من تحديات لمجتمعاتنا. وعندما تتمكن فلسفة مثل الديمقراطية الدستورية من التحدث بحرية مع فلسفة الذكاء الاصطناعي، سيكون من السهل فهم كيف للأخيرة، باعتبارها قوة ضاربة، منافسة الفلسفة الحاكمة الحالية للديمقراطية، أو التفوق عليها.

ختاماً، أثبت التاريخ أن القانون من الممكن تحريفه، خاصة عندما تتطور هياكل السلطة إلى أيديولوجية. وعليه، توفر المبادئ الأساسية للديمقراطية الدستورية معياراً للتحليل في هذه اللحظة الحرجة التي يجب فيها اتخاذ قرارات الرقابة على الذكاء الاصطناعي. وفي سياق الديمقراطية الدستورية، هناك إجابة واحدة فقط لسؤال ما إذا كان القانون سيحكم الذكاء الاصطناعي أم أن الذكاء الاصطناعي سيحكم القانون؟ وهي أن القانون، ودون أدنى شك، هو المنوط بالحكم.

* أستاذة القانون ومديرة مختبر الديمقراطية الرقمية في كلية ويليام وماري للحقوق(ذا هيل)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2uy4fs4e

عن الكاتب

أستاذة القانون ومديرة مختبر الديمقراطية الرقمية في كلية ويليام وماري للحقوق

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"