النظام الدولي بين حربين

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

اختفت الحرب الأوكرانية عن منصات الأخبار طوال الأسابيع الماضية، وتوارت عن الأنظار مع انشغال العالم بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن في الساعات التي سبقت إعلان التوصل إلى هدنة، توافد عدد من المسؤولين الغربيين إلى كييف، لإظهار استمرار الدعم والجري مجدداً وراء سراب إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

ما جرى في غزة ينعكس على أوكرانيا، لأنه أسقط الكثير من الأقنعة والمساحيق التي يتجمل بها «العالم المتحضر»، لخدمة أهدافه ومصالحه، فقد اكتشف الرأي العام الدولي ازدواجية المعايير في التعامل مع الوضعين. وأمام السقوط المهول للضحايا المدنيين بين الفلسطينيين جرّاء القصف المجنون للأحياء السكنية، والتدمير الممنهج للمرافق المدنية، لا سيما المستشفيات والمدارس ومخيمات النازحين، بدأت المقارنات الحرجة بين ما اقترفته إسرائيل من مجازر وانتهاكات أمام صمت غربي مطبق، وما تفعله روسيا منذ 21 شهراً. ومع ذلك كان التعامل الغربي معها شديد القسوة، فقد تعرضت موسكو لأكثر من 17 عقوبة عامة وفردية، وتحركت محكمة الجنايات الدولية بسرعة قياسية، إضافة إلى أطنان بيانات الشجب والتنديد، وهو ما لم يحدث في الحرب الأخيرة.

ربما تنجح الجهود العربية والدولية الحازمة في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، ويمكن أن تكون هدنة صفقة الأسرى مقدمة لذلك، على الرغم من أن التداعيات ستستمر فترة طويلة، وتدريجياً سينسحب الاهتمام من الشرق الأوسط، ليعود مجدداً إلى أوكرانيا، لكن بعد حرب غزة، لن يكون كما كان قبلها، والمانح الأكبر، الولايات المتحدة، تعاني أزمة مصداقية، أحدثت شرخاً كبيراً في الرأي العام الأمريكي، وباتت أصداؤها تتردد بحدة في الكونغرس وحتى في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، أما وضع أوروبا، فقد عبر عنه مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل، عندما اعترف بأن الاتحاد يواجه مشاعر عداء متزايدة من العالم الإسلامي وخارجه؛ بسبب اتهامات الانحياز لإسرائيل؛ وازدواجية المعايير تجاه الحربين في غزة وأوكرانيا. تضرر السمعة الأوروبية سيؤدي إلى انعكاسات كبيرة في المستقبل القريب.

الأخطاء الغربية بسبب ازدواجية المعايير تكاد تكون قضاء لا راد له، وآية على سقوط النظام الدولي إن لم تكن هذه ضربته القاضية في الطريق إلى تأسيس نظام جديد، أصبح ضرورة مُلحة، وضامناً للأمن والاستقرار، عسى أن يستعيد العالم توازنه السياسي والعسكري والأخلاقي أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8f6mym

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"