عادي
عرض مصري يختتم مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

«الخروج إلى النهار».. النور حلم جميع البشر

19:40 مساء
قراءة 4 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرح المصري
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرح المصري

الشارقة: علاء الدين محمود

استدل الستار، مساء الثلاثاء، في صحراء الكهيف، على فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وسط حضور جماهيري كبير، واختتم المهرجان أعماله بالعرض المصري «الخروج إلى النهار... ترنيمة الصحراء»، لفرقة المسرح الصوتي، من إعداد وإخراج انتصار عبد الفتاح، وهو العمل الذي ربما جاء مختلفاً عن عروض المهرجان، فقد نجح من جهة في كسر الثيمات والمواضيع المتكررة التي تدور في الأغلب حول القيم الاجتماعية والأخلاقية، مثل الكرم والنخوة والحب وغير ذلك، ولكنه في الوقت نفسه ابتعد نوعاً ما، عن تمثل فكرة المهرجان الذي يحتفي بالحكايات والسير والأشعار التي أبدعتها المجتمعات الصحراوية العربية، والتي تقدم في قوالب فنية تتداخل فيها الأنماط الأدائية الحديثة والشعبية، وهي الأشياء التي يبدو أن العرض المصري لم يعمل على توظيفها، غير أن الرقصات والأهازيج كانت حاضرة في العمل.

العرض تميز بالكثير من الاجتهاد والبذل الفكري والإبداعي، فقد اتجه نحو توظيف «الفكرة»، ولم يعتمد على حكاية في بنائه الدرامي والفني، لكنه حمل الكثير من الإشارات والرموز الدالة على القصة، حيث يحكي بصورة رمزية عن مجتمع الجنوب المصري والذي يحفل، في تكوينه الاجتماعي والسكاني، بأنماط مختلفة من البشر تتنوع ثقافاتهم، وهو مفتوح على تأويلات مختلفة، اجتماعية وثقافية، فقد عمل المخرج على تمرير ذلك الجانب من خلال الحوارات والمونولوجات الطويلة بين الشخوص الحقيقيين، والمتخيلين.

يحضر الجبل بصورة أساسية في العمل، فهو يتحدث عن الحياة في تلك البيئة المختلفة، وأثرها في أسلوب عيش الإنسان وطرائق تفكيره، ويستنطق العمل المكان وكائناته المختلفة، والحياة في أسفل الجبل تبدو مختلفة، فهو يحجب أشعة الشمس، وتعيش الكائنات في الظل بعيداً عن الضوء، بل وربما تخشاه، فيحلم الجميع بالنهار.

يتخذ العرض من فكرة «الانتظار» ثيمته الأساسية التي تنهض عليها الأحداث، فالجميع في انتظار أمر يريدونه أن يحدث، وهو الانعتاق من الظلام، ومعانقة الضياء، وهو حلم يظل يراودهم، لا يدرون متى يحدث، هل في وقتهم الراهن، أم في المستقبل البعيد، وهل هناك إرهاصات دالة على قرب حدوثه؟ لقد أصبح انتظار ما سوف يأتي، هو أكثر من حلم، بل أسلوب حياة وعيش، وثقافة، فهم يؤمنون بحتمية ما سيأتي ولكن في الوقت نفسه لا يعرفون هل يظلون أسرى فكرة الانتظار، وتلك هي يوميات هؤلاء البشر الذين حاول العرض أن يعبر عنهم بصورة وتقنيات مختلفة.

*شخوص

ومن أجل تعميق تلك الفكرة والتعبير عنها بصورة مباشرة، استعان العرض بشخوص ينتمون إلى المكان، رجل كبير السّن ينطق بالحكمة، ويلعب في كثير من منعطفات العمل دور الراوي، وهنالك أيضاً امرأة تعمل في صناعة الفخار، ذلك العمل اليدوي الذي يحمل دلالة الانتماء إلى المكان، إضافة إلى شخصية الشاب الذي يلعب دور بطل العرض، ذلك الذي تنعقد عليه الآمال والأحلام، إضافة إلى الجوقة من خلال مشاركة أربع فتيات يرمزن لأفكار مختلفة، حيث ترمز الأولى لاتجاه الريح، والثانية هي زوجة الشاب، والثالثة هي جرة المياه المقدسة، والرابعة هي من تقوم بتكحيل الشاب بريشة كي يرى بعيون المكان، وينقب عن أسراره، ويغوص في أعماقه ليخلص إلى فكرة كيفية الخروج من التيه، لتجري حوارات كثيرة بين الشخصيات تكشف عن العزم على الإرادة في حياة جديدة، وتضج من أفواه الشيخ والمرأة الكلمات الحكيمة.

والواضح أن كلاً من الشيخ الحكيم المسن، والمرأة التي تصنع من طين تلك الأرض فخاراً مختلفاً في أشكاله وأنواعه، ومتعددة أغراضه، قد ظلا لزمن غير معلوم في انتظار ذلك الشاب الذي تنطبق عليه مواصفات المنقذ، ذلك الذي يعلم أسرار الحياة، ويحمل المعرفة الكافية للانتقال بهم نحو آفاق جديدة، فذلك الشاب لا ريب أنه يدري ويعي أن الوجود كله لا يختفي خلف الجبل، ولا يتوارى في الظلام، فهناك حياة يسود فيها النور.

*مراوغة

الصحراء لم تحضر في العرض، بخيمها ومفرداتها، لكنها شكلت حضوراً مختلفا بصورة رمزية عبر أصواتها وإيماءاتها، وكذلك من خلال الصحراء التي تكمن في نفوس قاطني المنطقة، والتيه الذي يعيشونه، وانتظارهم لميلاد جديد، فقد عمل العرض على مراوغة فكرة التعبير المباشر عن الصحراء، واستعان بدلاً عن ذلك بالدلالات والإشارات التي قد تبدو عابرة، غير أن فكرة العروبة والانتماء العربي كان حاضراً من خلال النخلة التي وظفت في الديكور في منتصف المكان، لتشير، إلى الشموخ.

*حلول أخراجية

مخرج العرض استعان بجملة من المقاربات والحلول للتصدي للعرض، لعل أهمها الحوارات الطويلة التي جاءت باللغة العربية الفصحى، بأسلوبية شاعرية تتدفق منها الحكمة وفلسفة الوجود، حيث عمق المخرج من ثنائية الجبل والنور من خلال تلك الحوارات التي صنعت الصور والمشهديات، ولئن اتسم العمل بالغموض في بعض جزيئاته، فإن تلك الحوارات كانت كاشفة للمعنى الذي حمله العمل، ومنها هذا المقطع من حديث الرجل المسن: «كنت أعلم أن الجبل رجل في أرذل عمره، لكنه استطاع أن يحجب عنا النور، ولأن تتوارى خلف ضعفك، أعظم من أن تقف أمامه تتعذب، لقد وهبت لنا الحياة، فإن لم نستطع العيش ببطء، فمن الشرف أن نموت سريعاً، من تلك العين السحرية رأيت الحكمة عين الحياة، على الجبل أن يهبط إلى باطن الأرض، كي يولد من جديد».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yw24krvr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"