الدوريات الثقافية كتاريخ

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

تُحفّزنا إشارة، قد تكون عابرة، أوردها الشاعر ت. س. إليوت (1888 1965)، للتوقف عند دور الدوريات الثقافية العربية العريقة، سواء منها التي توقفت أو التي لا زالت مستمرة في الصدور، وهو دور لا يمكن إبرازه إلا ضمن قراءة متأنية لتاريخنا الثقافي العربي المعاصر عامة، أو للتاريخ الثقافي الخاص بكل بلد عربي على حدة، وإن كان من المتعذر الفصل، ثقافياً، بين ما هو محلي أو قُطري وما هو عربي شامل.
إليوت، كما نعلم، شاعر ومسرحي وناقد أدبي ولد في الولايات المتحدة، ثم انتقل إلى بريطانيا في العام 1914، حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1948، وذاع كثيراً صيت ديوانه الشعري: «الأرض اليباب»، أما الإشارة المقصودة فقد وردت في كتابه «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، الذي أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة له ضمن سلسلة «أمهات الكتب»، حيث تحدث في أحد مواضع الكتاب عن تجربته الشخصية في إنشاء وتحرير مجلة أدبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، صدر عددها الأول في خريف سنة 1922، وتوقفت في بدايات عام 1939.
كانت المجلة تصدر أربع مرات في السنة، بعد فشل محاولة لجعلها شهرية استمرت ستة شهور، أما غاية إليوت من إصدارها، فهي أن تجمع نخبة الفكر والأدب الجديدين في أوروبا يومها، ولأنها كانت موجهة للقارئ الإنجليزي خاصة، فقد حرصت على أن تترجم إلى الإنجليزية مساهمات من يكتبون بلغات أوروبية أخرى.
ألا تدعونا، نحن العرب، استعادة إليوت لذكرى هذه المجلة إلى الحديث عن أهمية الدوريات الثقافية العربية الرائدة، والدور الذي نهضت به في نشر أفكار الحداثة والتجديد واتجاهات الأدب والفكر الحديثين؟ فهل يمكن معرفة تاريخنا الثقافي دون العودة إلى ما في بطون هذه الدوريات من أفكار ونصوص وحتى أخبار ثقافية، كون هذه الدوريات واحدة من أهم روافع الحداثة العربية، خاصة أنها كانت موجهة للقارئ العربي أينما كان لأنها تكتب بلغة يعرفها الجميع، على خلاف ما كانت مجلة إليوت محمولة عليه بالترجمة إلى الإنجليزية في قارة متعددة اللغات؟
الأمثلة على هذه الدوريات أكثر من أن تحصى، ولكن يمكن الإشارة إلى بعضها، على سبيل المثال فقط، ك «الهلال» المصرية، و«الآداب» اللبنانية التي أسسها الأديب الراحل د. سهيل إدريس، وتوقفت بعد عقود من صدورها، و«العربي» الكويتية.
وهذه الدوريات الثلاث كانت عربية بامتياز يتلقفها القراء والمثقفون في كل ديار العرب، مشرقاً ومغرباً، وبالتأكيد هناك دوريات أخرى لعبت أدواراً لا تقلّ أهمية، ما يجعل ضرورياً كتابة تاريخ هذه الدوريات للوقوف على محطّات تاريخنا الثقافي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3cfyjnaj

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"