دوران في الفراغ الليبي

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عادت الأزمة الليبية إلى مربّعها الأول مع تجدد الخلافات حول مسار الانتخابات التي تدفع الأمم المتحدة إلى إجرائها في أقرب، وقت لتحقيق الاستقرار الشامل في هذا البلد الذي يعاني انقسامات حادة، منذ اثني عشر عاماً، وهو الهدف الذي فشل في تحقيقه ستة مبعوثين أمميين، وواحدة بالإنابة، وربما يواجه المبعوث السابع، عبد الله باتيلي، المصير نفسه، إذا لم يحالف مساعيه النجاح المنتظر.

منذ توليه منصبه قبل أكثر من عام، يحاول باتيلي كسر الجمود، وإنهاء تفويض الهيئات السياسية الانتقالية المستمر منذ سنوات طويلة. ولإحداث الاختراق المطلوب، تم تشكيل لجان عدة، وخلق مسارات للتفاوض، لاسيما بين المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، ومجلس النواب المقيم في طبرق، إضافة إلى محاولة تقريب وجهات النظر حول الخطوط العريضة للعملية السياسية، لكن مع الاقتراب من التفاصيل الدقيقة اصطدمت هذه الجهود بمصالح بعض الشخصيات والكيانات المتنفذة التي ترفض، بالمطلق، تقديم التنازلات الواجبة للوصول إلى مؤسسات شرعية موحدة، تجمع شتات السلطة الغائبة.

كما اصطدمت بأجندات أخرى تتعلق بمصالح المتدخّلين الأجانب، فبموازاة مبادرة باتيلي، هناك المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، الذي يقود تحركاً يوحي ظاهره بأنه داعم للمبادرة الأممية، أما حقيقته فللمحافظة على المصالح الأمريكية، وللحيلولة دون خروج أي تفاهمات عن الأهداف الاستراتيجية لواشنطن التي تتوجس من تراجع نفوذها في هذا البلد، أمام حضور روسي يتمدد، من دون ضجيج، في المنطقة. وهناك مواقف، أوروبية وإقليمية، لديها أجنداتها الخاصة أيضاً، ولا يمكن التقليل من تأثيرها وحضورها في المشهد الليبي، سابقاً ولاحقاً.

وسط هذه التجاذبات، تتعالى الأصوات المنادية بتشكيل سلطة توافقية جديدة بدل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لا تكون طرفاً في الصراعات، وتستطيع توحيد المؤسسات، وقيادة البلاد نحو الانتخابات. وهذا المطلب، كغيره من المطالب الأخرى، تحوم حوله الشكوك والتساؤلات، فحكومة الدبيبة الحالية تم التوافق عليها في ملتقى الحوار في جنيف بداية عام 2021، وكانت مهمتها أن تقود مرحلة جديدة تفضي إلى انتخابات عامة، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، وبدلاً من أن تكون طرفاً محايداً أصبحت طرفاً رئيسياً في الصراع، وترفض اليوم التنحي لمصلحة حكومة أخرى، ولا توجد أي ضمانات على أنها لن تسير سيرة الأولى.

ليبيا اليوم تواجه تحديات كبيرة في طريق إجراء انتخابات، حرة ونزيهة، فالانقسامات المألوفة بين الكيانات المتصارعة تعاني، هي نفسها، انقسامات داخلية، والمبعوث الأممي لا يملك عصا سحرية تستطيع ترتيب كل هذه الفوضى. والوحدة الوطنية، التي بدت بعد كارثة الإعصار «دانيال» في شرقي البلاد خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، أخذت تتلاشي، وعادت الأطراف المتصارعة جميعها إلى خنادقها السابقة للكارثة التي محت مدينة درنة وجرفت الآلاف من سكانها إلى البحر.

وقبل ذلك، وبعده، يبدو أن الجهود والمبادرات لإنهاء الأزمة ليست إلا دوراناً في الفراغ، ومتاهة بلا بوصلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/kfwv7zph

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"