كرة كريستال ثقافية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل خطر ببالك يوماً أن تجلس إلى كرة كريستال، أو مقراب افتراضي، يجعلك إلى جوار الكواكب والنجوم، فتبوح لك بأسرار العام الجديد؟ ستدرك أن الاستشراف، حتى ولو كان عرَضيّاً عابراً، للتسلية والتجربة، لا حرفة ولا مهنة، ليس بالأمر اليسير، وهو أعسر سبيلاً لدى الباحث المتفكّر صاحب الضمير، الذي لا يريد الاحتيال على خلق الله للتربّح والتكسّب.
هذا العام بالذات، في هذا اليوم الأول، يشبه مرحلة حرجة بعد افتتاحية مباراة شطرنج في بطولة عالمية. كل الأنظار مشدودةٌ إلى الرقعة، تتابع بشغف رهيب حركات البيادق والخيول والفيلة والرخاخ، بينما المباراة الحقيقية تدور خططها وتطوّراتها في دماغي البطلين. بتعبير المفكر الاستراتيجي زبغنيو برجنسكي: «رقعة الشطرنج الكبيرة»، كل المراقبين والمحللين ووسائط الإعلام على سطح الكوكب، أعناقهم مشرئبّة إلى مباراتين متزامنتين تدور إحداهما في أوكرانيا والأخرى في الشرق الأوسط. المباراتان في الحقيقة واحدة، في رقعتين. هذه عكس تلك الصورة الصوفية الشهيرة: «من رأى روحين عاشا في جسد؟»، هذه: من رأى مباراة واحدة تدور معاركها على رقعتين؟ حتى أولئك الذين لا يعرفون شيئاً من مبادئ الشطرنج، يعلمون علم اليقين من هم المتبارون على «رقعة الشطرنج الكبيرة». لأجل ذلك لا علينا بذلك، نكتفي بالثقافة.
لكن، هل تتصور أن الاستشراف الثقافي شربة ماء؟ هنا، لا ينجدك شاعر ولا تشكيليّ ولا فيلسوف. ما رأيك في أن نصوغ على مثال: «الدين النصيحة»، فنقول: الثقافة النصيحة، حتى لا يكون المثقف نطيحة، لا قدّر الله. بصراحة: حتى الساعة، لم تكن الثقافة العربية فعّالةً حاضرةً ناظرة. المقصود، الثقافة السائدة، أو إن شئت السائبة. لا مستحيل مع الأمل، فالقلم يقول: «الثقافة مثل الكبد، حتى حين تبقى منها 10% بخير، تستطيع أن تتجدّد». 
صحيح أن الثقافة السائدة ليست ثقافة فعل أو ثقافة حياة، ولا علاقة لها بأمن الأوطان وأمان الشعوب، وأن شذّاذ الآفاق بحملاتهم الفايكينغية أو المغوليّة، يتقنّعون بأقنعة القيم الحضارية، ويختلقون خدعاً وأحابيل يحرفون بها الخرائط عن مواضعها، ووقائع التاريخ عن مواضيعها، إلاّ أنك حين تحدّق مليّاً في كرة الكريستال، تنبئك بأن الثقافة العربية التي توهّم الواهمون أن جذور شجرتها قد جفّت وجَفتْها الحياة، وذهبت زبداً جُفاءً، قد هبّت من رقدة العدم، وقد آن أن ينجلي هذا الليل الذي عسعس، وآن للصبح أن يتنفّس.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: الشرق إلى شروق، والغرب إلى غروب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5w24ruuc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"