تريليونات الدين الوطني

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق

أندرو موران *
في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، بلغ الدين الوطني الأمريكي 31.3 تريليون دولار، استناداً إلى بيانات وزارة الخزانة. الآن، وبعد مرور عام، فإن هذا الدين في طريقه إلى تجاوز 34 تريليون دولار، أي بزيادة 2.7 تريليون. وهو رقم ضخم يقف أمامه جميع المراقبين الفيدراليين والمحللين الاقتصاديين مذهولين. ولسوء الحظ، هذا هو الفصل الأول من كوميديا العم سام المأساوية. ويتضمن الفصلان الآخران عجز الموازنة السنوي البالغ تريليون دولار، ومدفوعات الفائدة.

ولم يعد دافعو الضرائب الذين يضطرون إلى سداد هذا الدين بحاجة إلى التحديق في السماء ليشهدوا العجائب الكونية، يمكنهم رؤية مسؤوليهم المنتخبين وهم يتحدّون استمرارية الزمان والمكان كل يوم، لإبقاء أبواب الكونغرس مفتوحة أمامهم والحروب الخارجية مستمرة.

لطالما كان الدين الوطني محور نقاش ساخن بين المحافظين والليبراليين، وعادة ما يتطرق إليه السياسيون في واشنطن وكأنه موضوع كرة قدم سياسي. وخلال إحدى مناظرات الانتخابات الرئاسية عام 1992، سأل أحد الحضور متهكماً الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب، ومنافسيه الرئيس السابق بيل كلينتون وروس بيرو، كيف أثر فيهم الدين الوطني، والذي بلغ خمسة تريليونات دولار في ذلك الوقت، شخصياً؟ وبالطبع، لم يتمكن أي منهم، وخاصة بوش وكلينتون، من تقديم إجابة شافية ومرضية.

اليوم، يجري الحديث عن هذا الأمر بجدية أكبر، ويعترف أصحاب الميول اليسارية في الكونغرس بأن كبح جماح العجز الفيدرالي يشكل أهمية بالغة لمكافحة التضخم بعد سنوات من محاولة إثبات العكس. فلماذا تعد معالجة الدين الوطني أولوية ولا تزال البلاد تغرق في مستويات فلكية منذ سنوات؟

منذ الثمانينات، واستجابة لأهم حلقة في مسلسل التضخم، انخرط بنك الاحتياطي الفيدرالي في التشديد الكمي، وهو مزيج من أسعار الفائدة الأعلى وخفض الميزانية العمومية، من سندات حكومية وأوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري. ومنذ مارس/ آذار 2022، ارتفع سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية بنحو 500 نقطة أساس إلى أعلى مستوى في 22 عاماً، عند 5.25% و5.5%. فنتج عن هذا المد العالي مجموعة واسعة من التداعيات على الدولة الغارقة أساساً بالديون، ومنها ارتفاع مدفوعات خدمة الديون عنان السماء.

وبحسب صحيفة «ليبرتي نايشن»، تجاوزت مدفوعات الفائدة السنوية تريليون دولار للمرة الأولى. فارتفاع خدمة الدين يعني أن ما يقرب من 40% من ضرائب الدخل الفيدرالية سيتم تخصيصها لدفعات الفائدة. وكلما زادت كُلَف الفائدة، زاد خطر مزاحمة التمويل للنفقات والخدمات الحكومية الأخرى. بالتالي، سيتم تخصيص حصة كبيرة من إصدارات ديون وزارة الخزانة على مدى الشهور الستة الأخيرة من 2023 لسداد الفائدة.

علاوة على ذلك، يمثل ما يقرب من ثلث، أو 7.6 تريليون دولار، من ديون الحكومة الأمريكية، نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني أن على أذكى المسؤولين في وزارة الخزانة أن يقرروا إصدار دين جديد بسعر الفائدة الحالي (بين 3% و4%)، أو إيجاد طرق أخرى للسداد. وفي الوقت الراهن، فإن النتيجة الأولى هي الأكثر ترجيحاً.

والسؤال الآخر، ماذا يحدث إذا جَفّ الطلب على سندات الخزانة؟ فمنذ أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، وسوق السندات الأمريكية يشهد حالة من الفوضى، حيث لامست العائدات أعلى مستوياتها في 16 عاماً. وكان الارتفاع الأخير في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل مدفوعاً في المقام الأول بالمخاوف المحيطة بالمسار المالي للحكومة الفيدرالية، والمستثمرين الذين يطالبون بعوائد أعلى على السندات المحفوفة بالمخاطر لمدة 20 أو 30 عاماً. ناهيك عن انخفاض حيازات المستثمرين المحليين ونظرائهم الأجانب، وخاصة من الصين واليابان. ووسط هذا كله، يتصارع الفيدرالي مع ميزانية عمومية تبلغ 8 تريليونات دولار.

فإذا لم يكن هناك عدد كافٍ من مشتري السندات (لإنقاذ حكومة الولايات المتحدة)، سيضطر الجمهوريون والديمقراطيون، على حد سواء، إلى تفعيل استراتيجيتين اثنتين. الأولى، رفع الضرائب إلى معدلات كبيرة، وذلك في حال لم يتمكن الساسة من السيطرة على الميزانية. والثانية تتمثل في خفض الإنفاق إلى مستويات ما قبل الوباء، من 7 تريليونات دولار إلى أقل من 5 تريليونات. وبهذا، قال الخبير الاقتصادي مايك شيدلوك: «لن يُصلح أي من الحزبين العجز، ولن يفعلا شيئاً حيال تصاعد الديون، أو أي من هذا القبيل، لأن النظامين السياسي والمالي معطلان تماماً».

وكما يشير نموذج ميزانية بن وارتون التابع لجامعة بنسلفانيا إلى أن حد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يبلغ 200% قبل أن يتطلب الأمر اتخاذ «إجراء تصحيحي». اليوم تبلغ النسبة نحو 123%.

وفي نهاية المطاف، سوف يؤدي النمو الذي لا يتوقف في مستويات الدين الوطني إلى سيناريوهات مختلفة، وفق مجموعة من الظروف: ارتفاع الضرائب، وتقليل المنافع العامة، وتضخم فوق الاتجاه، وانخفاض في قيمة العملة.

اليوم، وبعد إطلاق لجنة مالية خاصة لمعالجة الدين الوطني، فإن أبعد ما تحتاج إليه البلاد هو تشريع من الجمهوريين والديمقراطيين، الذين خلقوا المشكلة، لحل الأزمة المالية.

* محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن نيوز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4w73b2hu

عن الكاتب

محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"