تبرير التضخم غير المبرر

22:10 مساء
قراءة 3 دقائق

أندرو موران *

انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن لادعائه في مقابلات سابقة مع «سي إن إن» و«ياهو فاينانس» أنّ معدل التضخم السنوي عند وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021، كان 9%. وهذا بالطبع غير صحيح، لأنّ البيانات تظهر أنّ مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) كان 1.4% في ذلك الوقت.

وسارع مسؤولو البيت الأبيض إلى لملمة الأضرار مبررين ذلك للصحافة بالقول: «إنّ الرئيس يعني أن العوامل موجودة ومهيأة لتسارع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود»، لكنهم لم يدركوا أنّ الكذب لتغطية كذبة أخرى أمر غير صحيح.

ومع دخول الولايات المتحدة عامها الثاني من جائحة فيروس كورونا وبداية فترة رئاسية جديدة في واشنطن، لم يتوقع البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي وعدد كبير من الاقتصاديين أنّ البلاد ستعاني نوبة حادة من التضخم، لا بل أكدوا في الأشهر الأولى أنّه لن يمثل مشكلة.

ففي ذلك العام، أي 2021، توقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يسجل مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو مقياس التضخم المفضل للمؤسسة، 1.8%، ثم يرتفع إلى 1.9% في عام 2022. وحتى عندما بدأ معدل التضخم السنوي في الارتفاع، رفض اقتصاديو البنك في «سانت لويس» هذا الاتجاه وتوقعوا أن يصل معدل نفقات الاستهلاك الشخصي إلى 2.4% ثم ينزلق إلى 1.4%. ومع ذلك، ورغم خيبة هذه التقديرات، كانت نقطة الحديث الرئيسية لمجلس محافظي نظام الاحتياطي الفيدرالي هي أن التضخم «حدثٌ مؤقت»، وهذا يعني أنه سوف يرتفع قليلاً ثم سيستقر نحو هدف المركزي البالغ 2%.

ووفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا في مايو/ أيار 2021، وشمل 36 من المتنبئين، كان متوسط توقعات التضخم لعام 2021 عند 2.3%. بالإضافة إلى ذلك، توقعوا فرصة بنسبة 0.5% لتجاوزه معدل 4%.

وفي مارس/ آذار من ذات العام، دحضت رئيسة «الفيدرالي» في سان فرانسيسكو، ماري دالي، مخاوف التضخم، ودعت لعدم المبالغة فيها. وبعد ذلك بعدة أشهر، بدأ رئيس أكبر مؤسسة مالية في العالم جيروم باول يكرر مصطلح «مؤقت»، قائلاً في ندوة «جاكسون هول»: «من خلال الخبرة الطويلة، نتوقع أن تكون التأثيرات التضخمية لهذه الزيادات مؤقتة». هذا حديث الحكوميين، فماذا عن الخبراء في القطاع الخاص؟

توقع الاقتصاديون في «مورننغ ستار» أن يصل معدل نفقات الاستهلاك الشخصي إلى 2.3% في عام 2021. وتشير التوقعات الاقتصادية لشركة «إس آند بي غلوبال» إلى أن التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يحذف فئات الطاقة والغذاء المتقلبة، سيبلغ في المتوسط 2.1% في عام 2021، و1.9% في عام 2022. كما توقع «سكوتي بنك» أن يصل التضخم إلى 2% في عام 2021، و2.5% في العام الذي يليه.

وفي ربيع ذلك العام، أوضحت وزيرة الخزانة جانيت يلين في حدث افتراضي استضافته مجلة «أتلانتك» أنها لم تتوقع ظهور مشاكل التضخم. وقالت: «لا أعتقد أنه ستكون هناك مشكلة تضخمية. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فسيتم الاعتماد على بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعالجتها».

وبعد شهر، صرحت يلين في مؤتمر مجموعة السبع الذي ضم وزراء المالية بأنها لا تعتقد أن بعض الضغوط التضخمية ستكون «دائمة»، وتوقعت أن يصل التضخم «ربما إلى نحو 3%». كما استنسخ بايدن كلام رئيس الفيدرالي بأن الزيادات في الأسعار ستكون مؤقتة، قائلاً من البيت الأبيض في يوليو/ تموز 2021: «نحن واثقون من أن الولايات المتحدة لن تشهد تضخماً بلا رادع على المدى الطويل».

ومن المثير للاهتمام أن المستهلكين امتلكوا قدرات تنبئية متفوقة على أذكى الرجال والنساء في واشنطن و«وول ستريت». إذ كانت توقعات التضخم لمدة عام واحد في جامعة ميشيغان تبلغ 3.3% في فبراير/ شباط 2021، في حين كانت تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك للتضخم للعام المقبل تتجه نحو الارتفاع حتى 2022. وهو أمرٌ يقارن بالمقولة الكلاسيكية للكاتب ويليام إف باكلي: «أفضّل أن أعهد بحكومة الولايات المتحدة إلى أول 400 شخص مدرجين في دليل الهاتف في بوسطن بدلاً من أن أعهد بها إلى أعضاء هيئة التدريس في جامعة هارفارد».

فمن السكرتيرة الصحفية كارين جان بيير إلى الخبير الاقتصادي في البيت الأبيض غاريد بيرنشتاين، حث كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية الجمهور الأوسع على تصديق كلامهم المملوء بالتخبطات.

*محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايش»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vs6a5jk

عن الكاتب

محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"