عادي
لا يجبرك على الضحك ولا يستخف بعقلك

«عصابة عظيمة».. كوميديا ناجحة وإن لم تكن «عظيمة»

22:59 مساء
قراءة 5 دقائق
عظيمة وعصابتها

مارلين سلوم

مع انتعاشة السينما المصرية، يراودك سؤال في كل موسم، وكلما دخلت صالة السينما لمشاهدة فيلم جديد، هل الأسواق العربية تحتاج فعلاً إلى كل هذا الكم من أفلام الكوميديا التي تتدفق بكثرة، بينما الأنواع والألوان الأخرى تطل على استحياء، أو بالكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة؟ في زمن البدايات، وسينما الأبيض والأسود التي ما زلنا نتغنى بها، كانت الرومانسية ملكة الشاشة، والكوميديا وصيفتها الأولى، ورغم أن السينما عرفت نجوماً كباراً في الكوميديا، وقدمت الكثير من الأعمال، منها الجيد ومنها الضعيف، لكنها لم تعرف هذا الانجراف الكبير خلف الأعمال التافهة تحت مسمى الضحك، وعلى حساب إنتاج أعمال ذات قيمة فنية عالية، أو حتى متوسطة، كما يحصل خلال السنوات الأخيرة. وسط هذا الكم من الإنتاج السينمائي الكوميدي، «تجرأت» النجمة والمنتجة إسعاد يونس، وقررت العودة إلى البطولة السينمائية بفيلم «عصابة عظيمة»؛ مجازفة بلا شك محسوبة، لكنها لم تكن مضمونة، لماذا؟ وهل يمكن القول إن الفيلم حقق المنتظر منه، وهو عودة حميدة لصاحبة السعادة، «زغلول» الشاشة؟

ليس سهلاً أن تعود النجمة إسعاد يونس إلى البطولة السينمائية لتتحمل مسؤولية فيلم كوميدي، وهي محاطة بمجموعة من النجوم الشباب، ومعهم الفنان خفيف الظل محمد محمود، ومن دون وقوف أي من أبناء جيلها أمامها، خصوصاً أنها غابت عن التمثيل في السينما لفترة من الزمن، ثم عادت لتمر مرور ضيوف الشرف، وبأدوار مساندة، لا بطولة مطلقة؛ فهي تغامر برصيد ومسيرة حافلة بالأعمال الناجحة، سواء بالتمثيل أو التأليف والكتابة، أو بالإنتاج والتوزيع، وتراهن على ما تملك من موهبة، وكاريزما، وحب وتقدير الجمهور لها، كأن ظهورها اللافت والناجح في مسلسل «كامل العدد» بدور الجدة وتفاعل الناس معها، كان بمثابة المحفز لها كي تقدم على هذه التجربة السينمائية، مع المخرج وائل إحسان، والمؤلفة هاجر الإبياري، في أول عمل سينمائي لها.

الصورة

«عصابة عظيمة» فيلم قريب من القلب، يمنحك فرصة الاسترخاء والاستمتاع بوقت المشاهدة والضحك، تكمل الرحلة معه حتى النهاية، والمواقف الكوميدية تتوالى بخفة وسلاسة، لا يجبرك على الضحك، ولا يستخف بعقلك، كتابة موفقة لهاجر الإبياري التي ركزت على الكوميديا الصرف، بينما بقي المضمون عادياً، لا عمق، ولا قضايا مهمة تناقشها، محركها الرئيسي ومحورها إسعاد يونس، أو الست «عظيمة». ينطلق الفيلم من مشاهد قديمة من انطلاق ألعاب الأولمبياد في سيؤول عام 1988، حيث تشارك الشابة «عظيمة» وتفوز بالمركز الأول في لعبة الرماية (القوس والسهم)، المخرج وائل إحسان يجيد استخدام التكنولوجيا الحديثة في جعل إسعاد يونس بنفس وجهها وملامحها شابة تقف وسط هؤلاء اللاعبين ترمي السهام، وتعتلي منصة الفوز.. ثم نرى الفتاة من الخلف تقود سيارتها فإذا بها تصطدم بسيارة أخرى تفقد على أثره بصرها. لم تكشف الكاتبة عن تاريخ الحادث وظروفه، لأنها توظفه درامياً في سياق القصة لاحقاً، وتربطه بمواقف تستجد فتكون هي العقدة التي تصل معها الأحداث إلى الذروة، لكن حتى هذه الذروة لا تجعلك متوتراً، أو قلقاً على مصير «عظيمة»، وأسرتها، وبيتها، لأنك تشعر طوال الوقت باطمئنان إلا أن النهاية لا بد أن تكون سعيدة، إنما المهم أن الشغف موجود، ويحثك على متابعة المشاهدة وانتظار مسار القصة بلا قلق على مصير أبطالها.

كريم عفيفي في أحد المشاهد

نرى عظيمة وهي تدرب حفيدتها هانيا (الطفلة لوسيندا سليمان) على رماية السهم، اختيار موفق للطفلة سواء في أدائها، فهي خفيفة الظل قريبة من القلب، أو في شكلها الذي يناسب بالمنطق أن تكون حفيدة إسعاد يونس، وكذلك اختيار كريم عفيفي ليكون «كريم»، والد هذه الطفلة وابن عظيمة الوحيد. إصابة عظيمة نمّت لديها حاسة السمع، فأصبحت كأنها تبصر بالصوت، تميز كل الأشياء من حولها، حتى الهمس، والتحركات، والحركات، والانفعالات، تلفت انتباهها، بجانب كونها تتمتع بذكاء شديد، وسرعة بديهة تجعلها تتدارك الأمور، وتجيد التصرف في كل المواقف، مثل موقف صادفته خلال وجودها في البنك، حيث دخل «البرنس حشمت» (محمد محمود)، محاولاً السطو على البنك، فاستطاعت التصدي له وحدها في موقف كوميدي ظريف.

الأغاني تغذي جزءاً من الفيلم، وجود المغني الشعبي عنبة بدور الشاب الطموح حمزة الذي يعمل في السوبرماركت ويحب الشابة نيّرة (رنا رئيس)، التي تعمل مساعدة لعظيمة وجليسة لهانيا في فيلا عظيمة، وأدائه لأغنيات صنعت خصيصاً للفيلم، ينعش العمل، ويمنحه مساحة تمنع تسلل الملل إلى الجمهور، وتملأ فراغات قد تقع فيها القصة التي لا تتحمل قماشتها أي مط، أو تطويل. يحلم حمزة بتحويل اختراعه إلى حقيقة، يتواصل مع الست عظيمة، ويأتي لزيارتها كي يعرض عليها هذا الاختراع، فيفاجأ بوجود نيّرة هناك.. تقتنع عظيمة باختراع النظارة الموصولة لاسلكياً بجهاز تنبيه يرشدها بالصوت لوجود أي شيء عن يمينها، أو عن يسارها، وتدفع المبلغ المطلوب لاستكمال التجربة، عارفة عبد الرسول وأحمد عزمي ضيفا شرف، لكن مرور عارفة مميز، تترك بصمة من مشهد واحد وكانت تستحق مساحة أكبر، دخولها لافت، هي والدة حمزة «سوّاقة توك توك»، تأتي مع ابنها لطلب يد نيّرة من عظيمة، ومن خال نيّرة الذي يأتي لأول مرة إلى الفيلا، فنكتشف أنه «البرنس حشمت»، وتعرف عظيمة من صوته أنه اللص الذي حاول سرقة البنك. أكثر المواقف ظُرفاً هي تلك التي تجمع بين إسعاد يونس، ومحمد محمود، ثنائي يجعل من الإيفيه نكتة مضحكة، ويمتعنا بكوميديا الموقف والأداء الحقيقي لا استظراف فيه، ولا افتعال؛ محمد محمود الجوكر الذي يحب المراهنة عليه في السينما وفي التلفزيون، لأنه يملك موهبة وقدرة على الأداء أعلى، وأفضل بكثير من ممثلين يملأون الشاشات ويكررون أنفسهم بنفس الحركات والأسلوب والأداء، منهم بيومي فؤاد مثلاً.

الوجود الأنثوي الشاب في الفيلم ضعيف، و«كمالة عدد»، ليس أكثر، رنا رئيس تراوح مكانها، كأنها أفرغت كل ما لديها من طاقة، ولم تعد تجدد الأداء، بل تمنح كل أدوارها الانفعالات نفسها؛ بينما فرح الزاهد التي تؤدي دور زوجة كريم، ووالدة هانيا، أفضل منها من ناحية الأداء، لكن الدور نفسه ليس قوياً، ولا مؤثراً. قليل من الأكشن يساهم في إنجاح العمل، واستمرار تصاعد الأحداث التي تتعقد عندما تكتشف عظيمة أن ابنها وقع في فخ أحد المضللين، فنصب عليه وسرق منه أموال قرض أخذه من البنك، ولا بد من تسديد المبلغ قبل وضع اليد على الفيلا؛ الإخراج عنصر مهم أيضاً، وقد نجح وائل إحسان في تقديم صورة جميلة، واختيار موفق لموقع وديكور فيلا عظيمة، واهتمامه بكل تفاصيل العمل، ومواقع التصوير، وجمال النيل، والأماكن الراقية في القاهرة..

محبوب وينجح جماهيرياً

«عصابة عظيمة» ليس من أفضل الأعمال السينمائية، لكنه محبوب، وينجح جماهيرياً، سواء كُتب له أن يعيش طويلاً في الصالات أو لا، وسواء حقق إيرادات عالية أو لا، لكنه يعيش طويلاً حين ينتقل للعرض على المنصات والقنوات التلفزيونية، وسيستمتع به الجمهور من مختلف الأعمار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/565m53jt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"