هل تختفي الكتابة؟

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

جرى الاحتفاء بظهور الكتابة، كنقلة نوعية في مسار تطوّر المعرفة الإنسانية، ومع أن الكتابة لم تنه الشفاهة، حيث بقيت الأخيرة في مسار مواز لها، إلا أن الثابت أن التدوين هو الأكثر مقدرة على العيش طويلاً، فيما المنقول شفاهة عرضة للضياع مع مرور الوقت، ورحيل الرواة ممن حفظت ذاكرتهم أوجهاً من الموروث من أجيال سابقة.

الحديث عن عودة الشفاهة، ثانية، ليس جديداً، فقد بدأ مع ظهور الإذاعة أولاً، وازداد مع ظهور التلفزيون، حيث تقترن الصورة مع الصوت، وثمّة من أطلق على ذلك تعبير «الشفاهة الجديدة»، تمييزاً لها عن الشفاهة القديمة المعتمدة على الحكي وحده، ومن أطلقوا هذا الوصف أرادوا التحذير من «الشفاهة الجديدة»، كونها تتوخى السهولة، وتبعد الناس عن قراءة ما هو مدون. لا يخلو الأمر من درجة من التعميم، فليس كل ما تقوله الإذاعة وتقدّمه الشاشة، هو قرين الضحالة المعرفية، فالكثير منه قد يكون أعمق وأثرى مما تقدّمه الكثير من الكتب أو الصحف. العبرة في المحتوى لا في شكل التوصيل، أكان كتابياً أم صوتياً أم بصرياً، لكن هذا التحذير لا يخلو، في بعض أوجهه، من وجاهة، كون الصوت والصورة المبثوثين على الشاشة، صرفا اهتمام الكثيرين عن عالم القراءة.

مع تنامي سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد ظهور الهواتف الذكية وتطوّرها المتزايد، ولجنا مرحلة جديدة تنذر هذه المرة كل ما هو ورقي، أكان كتباً أم صحفاً، بقرب النهاية، وإذا كانت نسبة عشاق الكتاب الورقي لا تزال كبيرة، فإننا شهود اليوم على تراجع الصحافة الورقية، حتى أن الكثير من كبريات الصحف العالمية تحولت نحو العالم الرقمي.

منشور على المنصة الإلكترونية «رصيف 22» للكاتب شربل الخوري بعنوان «أين سنكتب في المستقبل؟»، يتوقع أن يتحول محررو الصحف في المستقبل القريب إلى كائنات رقمية، عبر الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح شريكاً حتى في الإبداع الأدبي، فحسب الخوري «فإن طريقة النشر في المستقبل قد تجعل المحرر آلةً، ويتولى الذكاء الاصطناعي طلب تعديلات من الكاتب، أو يرفض له مقالاً، إن كان شريراً بما فيه الكفاية».

يرى الكاتب أنه مع «تصاعد وتيرة الفيديوهات في الميديا، والبودكاست، والمنصات التي تستوعب كل شيء صوتي فقط»، فإن المواقع تتجه حالياً «إلى تحويل مقالاتها إلى فيديوهات أو إلى صوت، لتصل إلى جمهور أوسع»، ولا يستبعد أن نجبر، في مستقبل قادم، على التوقف عن الكتابة، في ظل قوة الخوارزميات، إلى درجة أصبحت تشعر معها بأن هذه الخوارزميات باتت هي رئيسة التحرير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/jstd5uz9

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"