فلسفة الضحك والمأزق الأوروبي

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما لي أراك ضاحكاً كأنك لم تَشرَق بدمع الشرْق الأوسط؟ قال: تذكرت الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في كتابه «الضحك». قلت: ويحك، أهذا أوانه؟ كان خليقاً بك لو كنتَ خلوقاً، أن تتفكر في تكالب الغرب على العرب، فمن رمى لك بقشر الموز؟ قال: كأن بيني وبينك تواردَ خواطر. لقد سرح خاطري في المشهد الكوميدي الذي صوّر لي أوروبا الغربية، وكأنها رمى لها ماكرٌ بقشر الموز، فوقعت أرضاً شرَّ وقعة. هل نسيتَ حديث برغسون عن أن الحصان حين يعثر فيسقط، لا يثير الضحك؟ بينما تنفجر القهقهات إذا رأى المرءُ جنتلماناً إنجليزيّاً مرتدياً الفِراك الأسود (المعطف ريدينغ كوت)، وبنطلوناً رماديّاً وقميص دانتيل مع قبّعة طويلة، متوكئاً على عكاز لمّاع، وشاربه يحطّ عليه العصفور، واثقَ الخطوة يمشى الخيلاء، وإذ به يقع راسماً زاويةً مستقيمةً تسعين درجةً، وزاويةً منفرجةً برجليه.

قلت: وأين أوروبا الغربية في هذا السّرد القصصي؟ قال: لقد كانت القارّة العجوز تتبختر مزهوّة بأنها رائدة الحضارة، فإيطاليا أشرق منها عصر النهضة التي أحيت أمجاد روما، التي كل الطرق تُوصل إليها، وألمانيا هي رائدة الفلسفة والموسيقى والعلوم، وبريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فقد بلغت مساحة مستعمراتها 35 مليون كم، مهد الجامعات العريقة والثورة الصناعية، مع موسوعة من الفلسفة والأدب، وفرنسا بباريسها مدينة النور والعطور والثقافة والأزياء. بين عشيّة وضحاها، أوهمتها ثعالب الإمبراطورية بأن حصون روسيا أهشّ من قشور البيض، تخرّ بنقرة، لا بركلة، ولكنّ أوروبا أقرب إلى أوكرانيا، فإذا انهار الدبّ، تقاسمت أقوام الغرب غنائم سبعة عشر مليون كم2، وعندها ستتداعى قلاع التنين.

قلت: يا لها من غفلة أوروبية، لم تفدهم الفلسفة منذ ما قبل الفلاسفة السقراطيين. تورطوا في وحول أوكرانيا، واكتشفوا أن أسوار الروس صخور، استنفدت ما لديهم من سلاح. الأدهى أن الثعالب فجّرت أنبوبي الغاز الروسي الزهيد، فاضطروا إلى شراء غاز الإمبراطورية بأضعاف مضاعفة، ثم فاجأتهم بقطع الإمدادات بدعوى نفاد الكمية. والآن أغرتهم بضرورة الحرب الجماعية ضد الروس. حتى السويد خرجت عن رصانة سياستها، وهي التي لم تعرف حرباً منذ منتصف القرن التاسع عشر، فقد أمرت جيشها بالاستعداد للحرب مع روسيا.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستفهامية: يبدو أن سبب الوحشية الدموية الجنونية لدى «الدواعش» أقراص خبيثة، لكن ما الذي حدث لأوروبا التي تتبجّح بالعقلانية والقيم الحضارية؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ee5964kr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"