شؤون موسيقانا شجونها

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا لو عرّجنا في هذه الجولات الموسيقية، على مشاهد من الفكر الموسيقي، مع انعطافات عابرة على فلسفة الموسيقى؟

الصادم حقّاً هو أن فئات من المشتغلين العرب بالموسيقى، يشبهون الطباخين المفتقرين إلى المهارات والذوق الرفيع، وليس لديهم إلمام بعلم التغذية والقيم الغذائية وعلاقة الطعام بوظائف الجسم الحيوية. اليوم، للأسف، نرى الكثيرين متخلفين عمّا وصلت إليه الموسيقى في الحضارة الإسلامية. في تلك القرون، لم تكن الأوساط المعنيّة كلها نطيحة ومتردية في الخلاعة، فقد كان لفيف مثل الشيخ الرئيس أبي علي بن سينا، يعالجون الأمراض النفسية بالموسيقى. كانوا يعرفون ما المقام المناسب لكل داء. اليوم، في كل البلاد العربية، لا تجد مستشفى واحداً أو عيادةً واحدة، نفسية، يُفحص فيها المريض النفسي، فيصف له الطبيب مثلاً ثلاث حصص «راست»، حصتي «هزام» وحصة «سوزناك». الروعة الحضارية هي أن ذلك العصر لم يكن فيه استوديوهات وتسجيلات صوتية، لا أسطوانات، لا كاسيتات، لا أقراص مدمجة ولا حواسيب وتخزين رقمي. تخيّل ابن سينا في «عيادته»، يستلقي المريض النفسي مغمضاً عينيه، يدخل العازف فيطلب منه تقاسيم في مقام معيّن، وربما أرادها على إيقاع محدّد، فيصاحب أبوعلي العازف ضارباً على الدف. الغرب لم يأت بالأسد من أذنيه، حين افتتح في عواصمه ومدنه عيادات للعلاج بالموسيقى.

العقل نعمة والإدراك امتياز، فمن سخريات أحوال الموسيقى العربية، أن عدداً من المشتغلين بالموسيقى في القرن الماضي، كانوا يهذون مدّعين أن «علم الهارموني» لا يتناسب مع موسيقانا، لأن في مقاماتها ما يسمّى«ربع التون». كيف كان الموسيقيون في القرنين الرابع والخامس الهجريين، يتحدثون عن«المزج الموسيقي» يقصدون به «الهارموني»؟ أوروبا تلقّفت ذلك وشادت عليه صروح الموسيقى السيمفونية من هارموني (أداء درجات صوتية معاً متزامنة) والكونترابانط (أداء جمل موسيقية في آن واحد). يذكر القلم أن أستاذةً باحثةً مصريةً لها دراسة متعمقة في هذا المجال.

من مآسي الموسيقى العربية، إقصاء البحوث والدراسات والتحقيقات العلمية والتطويرية عن ميادينها. في الحضارة الإسلامية كان الفلاسفة وعلماء الموسيقى، يصفونها بأنها أحد علوم الرياضيات أو علم رياضي. اليوم يتلخص هذا الفن في العالم العربي، في أنه مجموع المطربات والمطربين، بينما حين نتحدث عن الموسيقى السيمفونية، فإننا لا نعني، إلاّ عرَضاً من بعيد، حتى بافاروتي وماريا كالاس، وهما نجمان تاريخيان.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاسترسالية: من لشجون الموسيقى العربية وأشجانها،غير الموسيقيين العرب؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/cxc75vcm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"