محمود درويش وأنسي الحاج

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يحتفي مهرجان «طيران الإمارات للآداب» في دورته المقامة الآن في دبي بذاكرتين شعريتين عربيتين، لهما تأثيرهما الأدبي والثقافي في الشعرية العربية الحديثة: محمود درويش شاعر التفعيلة، وأُنسي الحاج شاعر قصيدة النثر.

درويش، لم يكتب في حياته كلّها قصيدة نثر، ولم يكتب أنسي الحاج في حياته كلّها قصيدة تفعيلة، لكن لم يحدث مطلقاً أن اصطدم أحدهما بالآخر على طريقة القبلية الثقافية التي يثور دمها عادة بين بعض شعراء التفعيلة، وبين بعض شعراء النثر.

محمود درويش (1941-2008) لم يغرق في المؤسسة السياسية الرسمية أو لنقل النفعية الحرفية، وحين حاول ياسر عرفات ضمّه إلى الكيان المؤسسي لمنظمة التحرير الفلسطينية قفز بسرعة من هذا الكيان، بلطف، ومن دون أن يسبب لنفسه أي رجس سياسي وذهب إلى ذاته الشعرية فقط وفقط حتى آخر يوم في حياته.

كذلك، أنسي الحاج (1937-2014) لم يتلوّث بأغبرة ورماديات السياسة اللبنانية الحلزونية المعقدة، ونأى بنفسه الشاعرة عن خراب الحزبيات والطائفيات والمذاهب القبلية أيضاً، وظل أنسي الحاج كما هو، صافياً، وداخلياً، ومحاطاً دوماً بأمومة الشعر.

ثمة، ما يقال أيضاً من مشتركات ومفترقات بين الشاعرين اللذين لم تذكر أي سيرة ذاتية أو صحفية أنهما التقيا لفترات طويلة، بحيث إن صداقة من نوع ما قامت بينهما، بخاصة أن درويش عاش فترة من حياته في بيروت.

أنسي الحاج شاعر ليلي على صعيد الحياة، ويقال إن مثقفي لبنان لا يرونه في النهار، فيما يظهر على الأقل بينه وبين نفسه في الليل، وكان محمود درويش أقرب إلى هذه الطبيعة الليلية، لكنه لم يكن شاعر مقاهٍ وصخب ليلي ودوائر من الدخان والكحول التي كان يغرق فيها الكثير من الشعراء على نحو يُرثى له، بل، كان درويش ينأى بذاته عن تلك الليليات المشبّعة أيضاً بالجدل والتشنّج السياسي والحزبي، وكذلك، أنسي الحاج، ظل على مسافة بعيدة عن مثل هذه الليليّات، مملوءاً بذاته الشاعرة حتى الإشباع.

معروف عن محمود درويش أناقته (الخارجية والداخلية = إن أمكن القول)، وكان أنسي الحاج أيضاً على مستوى رفيع من الحضور الكاريزمي والشخصي، ولم يحدث أن ظهر في مقهى أو في مكان ما مهلهل الثياب، كما هي عادة شعراء (الجينز) واللّحى الطويلة «شعراء القلق والفوضى والرصيف».. وهنا الرصيف بمعنى اللامبالاة في الحياة وحتى في الكتابة.. بل، هناك، شعراء رصيف رائعون مثل: رسمي أبو علي، وعلي فودة الذي أصيب برصاصة إسرائيلية وهو يوزّع جريدة على الرصيف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc7t27e5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"