مطر.. مطر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يكتب الكثير من الشعراء في فصل الشتاء أكثر مما يقرؤون، ويذهبون إلى مقاهي الساحات المفتوحة ومقاهي الأرصفة أكثر ممّا يمضون وقتهم في بيوتهم، ويصبح المطر إيقاع الحياة، وإيقاع الكتابة، وأحياناً تتماهى حبّات الماء مع حبات الدموع، حين تحيط بالشاعر أو بالكاتب ذكرى بعيدة أو صورة قديمة تشعل في داخله الحنين إلى وجه ما، أو إلى حالة وجدانية ما.. مرّ عليها العشرات من السنوات، ومع المطر وصوته وخيوطه الفضية تعود إلى المرء حياة بأكملها، ربما، كانت طيّ النسيان.

المطر صورة شعرية غزيرة بالمعاني والجماليات عند بدر شاكر السيّاب، وعند عبد الوهاب البياتي، وبلند الحيدري، وأمل دنقل، ومحمد القيسي، وجاك بريفر، وجورج ماورر، وبابلو نيرودا، وما من شاعر حنيني أو ريفي إلا وكان شعره مصنوعاً من الماء، شعر نهري أو شعر سماوي. شعر يأتي من الأعلى. هدية من الله، وهدية من السماء.

المطر صورة روائية في الكثير من الأعمال السردية التي محورها الحب أو الحنين أو القلب.. إن الكثير من المطر عند عبد الرحمن منيف، وحنّا مينة، وجمال الغيطاني، وجبرا إبراهيم جبرا، وغالب هلسا، وناظم حكمت في روايته (الدم يتكلم) كما في شعره، وكما في روايات يشار كمال، وغيرهم من رواة الماء.

المطر صورة سينمائية في العديد من الأفلام الروائية، والوثائقية، وفي روايات الحب، والحرب، والسلام، مطر سردي تماماً إن أمكن القول، مطر السماء، ومطر العينين.

ثمة، مطر مجازي أو رمزي في الموسيقى، مطر مُسْتَخْلصٌ من الكمنجات، ومطر راشح من ظهر العود، مطر في قصبة الناي، ومطر في الصوت الذي كما لو أنه ماء.

ألا تشعر ببرودة المطر وملمسه وعذوبته في الكثير من أغاني السيدة فيروز؟؟.. ألا تجد مطراً ما في صوت شادية أو عفاف راضي أو حتى السيدة أم كلثوم.. وإن كان مطراً جارفاً طويلاً وهي كما لو أنها تجمع مطرها هذا بمنديلها الغامض الخفيف؟؟

مطر، مطر..

مطر على البيوت، مطر على الأشجار، مطر على العربات، «..ما أجمل تلك الحركة القوسية لمسّاحات الماء على زجاج سيارة..».. وما أجمل المطر على حقيبة طفلة ذاهبة إلى المدرسة.

المطر نعمة، وأُعطية، وقصيدة.. وفي هذه اللحظة بالذات، وليعذرني القارئ العزيز إذ أذكر ما هو شخصي أو ذاتي حيث أكتب تحت المطر. تحته مباشرة، تحت نقائه ونظافته وكرمه، كرم الماء.. الذي منه كل شيء حيّ: الإنسان والطير والنبات والحيوان: الكائنات والأشياء، المتحرك والجامد، المتكلم والصامت، الأبيض والأسود، الميسور والمستور، المتواضع والمغرور، الضحية والجلاد، المتخم والجائع، الطيّب والخبيث.. كل هؤلاء، كل هذه المتقابلات والمتناقضات.. تحت المطر.. مطر، مطر.

فمن يغتسل ومن يتطهّر؟؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mry3pr7p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"