أوروبا وحواجز الحماية

22:50 مساء
قراءة 4 دقائق

مانوس رابتوبولوس*

تواجه أوروبا عاماً مملوءاً بالتحديات الملحّة. ولا شك أن التقاء العديد من العوامل المعطلة، كالصراع الجيوسياسي، وارتفاع التضخم، وعدم اليقين الاقتصادي، وزيادة الضغوط التنظيمية، فضلاً عن تأثير التقنيات الحديثة، سيشكل اختباراً حقيقياً لقادة أعمال القارة خلال الفترة المقبلة.

وفي ظل النقاشات الدائرة تكشّف الكثير من المواضيع والاتجاهات المشتركة في وجه أصحاب القرار والتنفيذيين الأوروبيين الذين يتعين عليهم معالجتها في هذا العام، من ضرورة بناء أكبر قدر ممكن من المرونة، والحد من المخاطر وتحقيق الاستقرار في المؤسسة، إلى الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي، مروراً بتحسين جهود الاستدامة مع ضمان جلب الاستثمارات للقيمة المنشودة منها.

ووسط كل ذلك، أصبح المشهد التنظيمي في أوروبا معقداً على نحو متزايد مع محاولة صناع السياسات مواكبة تأثير التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، سيضع قانون الذكاء الاصطناعي الجديد قواعد ومعايير صارمة حول تطوير وتطبيق التقنيات والأنظمة ذات الصلة في سياقات الأعمال. وهذا يتضمن حواجز الحماية للأغراض العامة، وفرض حظر كامل على الذكاء الاصطناعي من حيث صلته بحقوق المواطنين والعمليات الديمقراطية، وحق المستهلكين في تقديم الشكاوى والمطالبة بتفسيرات ذات معنى فيما يتعلق بالقرارات المستندة إلى تلك الأنظمة.

إضافة إلى أن موجة من اللوائح التجارية الجديدة وضوابط الجمارك في جميع أنحاء المنطقة ستضغط على الشركات التي تعاني بالفعل التحديات المستمرة والمتعلقة بمختلف عناصر سلاسل التوريد الخاصة بها للامتثال. واعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني من هذا العام ستخضع الشركات الراغبة في ممارسة الأعمال التجارية في أوروبا لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى جعل أوروبا أول قارة محايدة للمناخ، وهو هدف رائع حقاً.

لكن كل هذا التعقيد يتطلب استثماراً مكثفاً في الأدوات الرقمية المتطورة لتوفير رؤية أكبر حول التأثير المناخي لسلاسل التوريد الشاملة، وهو ما يقودني إلى نقطتي التالية المتعلقة بمرونة وسرعة سلاسل التوريد.

لقد كان على قادة الأعمال أن يتعاملوا مع الاختناقات المستمرة وكأنّ تأثيرات الوباء على سلاسل التوريد العالمية لم تشكل تحديات كافية على مدى العامين الماضيين. وسواء كان ذلك في تغيير مسار السفن لتجنب قناة السويس، أو نقص مكونات التكنولوجيا الفائقة، أو حتى تقلّب أسعار السلع الأساسية في كل شيء بدءاً بالغذاء وانتهاء بالطاقة، فإن هذه العوامل، وغيرها، ستخلق عدم استقرار هائلاً في سلسلة التوريد.

واستجابة لذلك، تسعى الشركات الطموحة إلى مزيد من المرونة في الاستجابة للتهديدات. ويسلط تقرير حديث ل«إس آند بي غلوبال» الضوء على أهمية التكنولوجيا في تعظيم فرص نجاح المؤسسات من خلال الحفاظ على سلاسل التوريد المستقرة.

ومعلومٌ أن أحد الأهداف الرئيسية للتحول الرقمي ضمن سلاسل التوريد هو القدرة على تحسين الرؤية الشاملة. ومع ذلك، وجدت إحصائية مذهلة أجرتها شركة «كيه بي إم جي» أن 43% من المؤسسات العالمية تمتلك رقابة محدودة أو شبه معدومة على أداء مورديها من الدرجة الأولى. ومن الواضح أن زيادة الرقابة على عمليات سلسلة التوريد تدعم أيضاً جهود الاستدامة الأوسع. وقد وجدت نفس الدراسة أن 5% فقط من انبعاثات سلسلة التوريد تنبع من التصنيع المباشر، في حين تبلغ الانبعاثات الصادرة عن سلسلة التوريد الأوسع نطاقاً خمسة إلى عشرة أضعاف.

وهنا، يمكن للمنصات الرقمية تحسين قدرة المؤسسات على جمع بيانات الانبعاثات بشكل كبير، وتحديد الأهداف المناسبة للموردين الرئيسيين لتحقيق نتائج استدامة محسنة بشكل جماعي في جميع أنحاء سلسلة التوريد.

إضافة إلى ذلك، ستستفيد المؤسسات بشكل متزايد من قوة الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة التوريد والخدمات اللوجستية والمشتريات. وفي الواقع، من المنتظر أن تستثمر نصف شركات سلسلة التوريد في التطبيقات التي تدعم الذكاء الاصطناعي وقدرات التحليلات المتقدمة في العام الجديد.

وبالعودة إلى الذكاء الاصطناعي، ستشهد الفترة المقبلة بلا شك رغبة المزيد من الشركات في تمكين قدراتها في الأعمال لدفع الابتكار والكفاءة والإنتاجية. ومن غير المستغرب أن تتوقع مؤسسة «غارتنر»، المتخصصة في استشارات الأبحاث، أن تكون الثقة وإدارة المخاطر والأمن في نماذج الذكاء الاصطناعي واحدة من الموضوعات التقنية الرائدة للعام الحالي، اعتماداً على التقدم الحاصل في مراقبة النماذج وأمن التطبيقات.

ومع ذلك، قد تكون الشركات الأوروبية أكثر تردداً في إطلاق العنان للذكاء الاصطناعي في عملياتها. ووجدت دراسة حديثة أجرتها شركة «بي دبليو سي» أن قادة الأعمال في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا أقل اقتناعاً بكثير من نظرائهم في أمريكا الشمالية، بأن العملاء يفضلون التفاعل مع نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر من البشر.

وبالنظر إلى تشريعات الاتحاد الأوروبي، فإن شركات المنطقة تتطلع إلى دمج الذكاء الاصطناعي في نماذج أعمالها وبيئات التشغيل الخاصة بها، مع تأكيد أهمية ومركزية الامتثال والخصوصية.

لقد استثمر مقدمو الخدمات السحابية والبرمجيات الضخمة بشكل كبير في بناء الذكاء الاصطناعي المسؤول في منتجاتهم الأساسية. وهذا يعني أنه يمكن للعملاء الاستفادة على الفور وجني قيمة الأعمال من استثماراتهم.

* رئيس «ساب» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا «بزنس آند فاينانشال تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5x6e3jav

عن الكاتب

رئيس «ساب» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"