لاتقرأ على مضض

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

صبرت على قراءة كتاب حول قوّة السحر في العالم اليوم، ثم طويته، وركنته في مكان قصيّ من المكتبة بحيث لا أعود إليه أبداً. وكنت قرأت منه أكثر من مئتي صفحة على مضض بحيث أعطي المؤلف والمترجم فرصة تقديم ما يمكن أن يشجع القارئ على المضي إلى النهاية، ولكن بلا جدوى. بقيت أقرأ وأقرأ على مضض، تماماً، مثل قراءة أخرى بلا جدوى لكتاب آخر حول السحر في أحد البلدان العربية بقلم باحث عربي «أكاديمي» هذه المرّة، ولكن ثانية على مضض، وبلا جدوى.. وفي النهاية طيّ الكتاب، وإرساله إلى العتمة.

يقال إن على القارئ أن يمضي في قراءة كتاب، أي كتاب إلى نهايته حتى لو كان كتاباً من نوع «على مضض» فربما تجد فكرة أو معلومة أو حكاية جديرة بالتوقف عندها وتدوينها في هامش الكتاب، وهذا صحيح تماماً، غير أن الوقت أقل من الصبر على الكتب التي لا تعطيك نفسها من الصفحات الأولى. هذا أولاً، وثانياً، خذ حِذْرَك من العنوان، فهو فخ ذكي أحياناً، وينطوي على الكثير من الخدعة «البصرية».

تنطلي عليك كقارئ أحياناً خدعة العنوان، بخاصة العناوين الفرعية على الغلاف. عنوان صغير يشرح عنواناً أكبر. كأن تقرأ: «دراسة أنثروبولوجية في تاريخ الملح»، أو «رؤية نقدية في مفهوم الصداقة» أو «تشريح سوسيولوجي للعذاب»، أو «قراءة في بنيوية الحب»، أو «تفكيك الحرب»، وغير ذلك من عناوين مبهرة حقاً. وفي المناسبة، فإن كل العناوين التي أوردتها الآن أعلاه هي من وضع هذا القلم وفي لحظة الكتابة، ولكن، من الممكن جداً أن تقع تحت عينيك مثل هذه العناوين الباهرة الجاذبة، فتدفع نقودك على عجل قبل أن يأتي من يشتري الكتاب قبلك، وحين تبدأ في القراءة أو بعد أن تقطع عدداً وافراً من الصفحات، إذ بك تستعيد العبارة المعروفة: «آنَ لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه».

أصبحت بعض دور النشر تتاجر بالعنوان، بخاصة ذلك العنوان الذي يشير إلى التاريخ الطبيعي والثقافي والاجتماعي لبعض الظواهر القائمة في حياة المجتمعات. اليوم، عند بعض دور النشر تاريخ لكل شيء: تاريخ الهواء، تاريخ الغيوم، تاريخ الضحك، تاريخ النسيان، تاريخ الكآبة، تاريخ الغضب، تاريخ الكذب.. وإلى آخره من تواريخ مصطنعة مثل هذه التواريخ التي أضعها الآن أمام القارئ العزيز.. ولم تطبع في كتب حتى الآن.

قد تقول لي: ولماذا لم تتصفح الكتاب ولو لخمس دقائق قبل شرائه؟ أقول لك إن بعض دور النشر تعمد اليوم إلى تجليد الكتاب بالنايلون بحيث تتحرّج من فض هذه المادة الحافظة للغلاف، وسوف تقع في الخدعة البصرية للعنوان.

أين الخلل؟ ربما الخلل عند المؤلف، وربما عند الناشر، وفي النهاية لا تقرأ عزيزي على مضض كما لو كنت تأكل طعاماً تعافه نفسك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/23xpumh6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"