معادن الألم النادرة

22:48 مساء
قراءة 3 دقائق

رونالد شتاين *

شاهد الكثيرون منا فيلم «الماسة السوداء عام 2006، والذي يضم العديد من المشاهد القاسية التي يكابدها العمال سعياً وراء الحجر النفيس. وهو أمر شبيه بما يحدث الآن في البلدان النامية الفقيرة، ولكن مع تلك المعادن الأرضية النادرة التي تدعم التوجهات الخضراء داخل البلدان الغنية.

وعلى الرغم من إعلان إدارة بايدن في 2022 أن البطاريات القادمة من الصين قد تكون ملوثة بعمالة الأطفال، مدعوماً بتقرير صادر عن وزارة العمل الأمريكية ينتقد بشدة سلاسل توريد «الطاقة النظيفة» لاستخدامها العمل القسري، فإن السعي وراء المزيد من «معادن الألم» يبدو مستمراً.

اليوم، تتلاشى رويداً رويداً أي مخاوف لدى شركات السيارات الكهربائية من توريد هذه المعادن لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية تحت غطاء ما يسمى سلسة توريد الطاقة النظيفة.

فعلى سبيل المثال، تزن البطارية النموذجية لسيارة «تيسلا سيدان» الكهربائية حوالي 454 كيلوجراماً، وتضمّ داخلها تشكيلة من المعادن الأرضية المتاحة والنادرة. حوالي 12 كيلوجراماً من الليثيوم، و14 كيلوجراماً من الكوبالت، و28 كيلوجراماً من النيكل، و20 كيلوجراماً من المنغنيز، و91 كيلوجراماً من النحاس، بالإضافة إلى 182 كيلوجراماً من الألمنيوم، مع مواد أخرى من الصلب والبلاستيك.

ويمكن أن يصل وزن بطارية الشاحنة الكهربائية الثقيلة إلى 7200 كيلو، وهو ما يزيد 16 مرة على بطارية سيارات السيدان. كما يتطلب صناعة بطارية واحدة منها حفر 3.6 مليون كيلوجرام من الأرض، وهو رقم كبير للغاية.

والأمر المثير للقلق أن معالجة معادن البطاريات هذه تحدث في مواقع جغرافية لم يرَها صناع السياسات ولا مشترو السيارات الكهربائية من قبل. فضلًا عن أن عمليات تكريرها تحتاج إلى 4 أضعاف الطاقة اللازمة لصناعة الفولاذ أو النحاس؛ إذ يحتاج الليثيوم على سبيل المثال إلى الدخول في 3 عمليات، تبدأ بالتسخين مروراً بالبخار وتنتهي بالتجفيف.

والتناقض في سلسلة توريد بطاريات المركبات الكهربائية هو أن كلاً من الليثيوم والكوبالت، وهما المكونان الرئيسيان للبطارية، تم إدراجهما في الجدول الدوري للعناصر المهددة بالانقراض، على أساس أن توفرهما محدود، أو يواجهان قيوداً على العرض في السنوات المقبلة بسبب زيادة الاستخدام.

وفي ضوء ذلك دعونا نُلقِ نظرة سريعة على بعض مصادر مكونات «معادن الألم» عالمياً، ولنبدأ بالليثيوم. تضمّ الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي جزءاً كبيراً مما يسمى «مثلث الليثيوم»، والذي يعدّ موطناً لأكثر من نصف موارد المعدن في العالم، ويستضيف حوالي 60% من احتياطيات الليثيوم المعروفة.

أما الكوبالت، فتعدّ جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر منتج له في العالم، مع حوالي 70% من الحجم العالمي. فيما تشكل كلٌّ من إندونيسيا وأستراليا والبرازيل حصة الأسد من احتياطيات النيكل العالمية. ويمكن العثور على مناجم المنغنيز في جميع أنحاء العالم، لكن أعلى تركيز للاحتياطيات ونشاط التعدين موجود في جنوب القارة السمراء.

وبخصوص النحاس، تعد الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر منتج للمعدن الأصفر في العالم، بعد تشيلي. وقد تم العثور على أكبر منجم للنحاس في ولاية يوتا، كما توجد مناجم رئيسية أخرى في أريزونا وميشيغان ونيو مكسيكو ومونتانا، وتعدّ بيرو أيضاً من المنتجين الرئيسيين للنحاس.

وبهذا الصدد، لابد من التذكير بأن السيارات الكهربائية، وهي في طليعة الثورة الخضراء، تمثل 55% من الطلب على النحاس، وتتطلب صناعتها 2.5 مرة أكثر من المعدن مقارنة بمتوسط السيارات التقليدية. وبحسب وكالة الطاقة الدولية سترتفع الاحتياجات على المعادن الانتقالية للطاقة، مثل الليثيوم والغرافيت والنيكل والمعادن الأرضية النادرة، بنسبة 4200%، و2500%، و1900%، و700%، على التوالي، بحلول عام 2040.

وفي شق متصل، تمضي كاليفورنيا سريعاً باتجاهاتها الخضراء، وتصرّ على ذلك تحت أي ثمن. وفي عام 2023، طرحت الولاية لوائح من شأنها أن تقلب صناعة النقل بالشاحنات التقليدية رأساً على عقب. حيث لا توجد شفافية تقريباً حتى الآن فيما يتعلق بالتدهور البيئي والانتهاكات التي تحدث في البلدان النامية من أجل ديمومة الصناعة.

كما دخلت لائحة الأساطيل النظيفة المتقدمة في كاليفورنيا حيز التنفيذ اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2024. وتُلزم الإجراءات الجديدة المشغلين بتحويل أساطيلهم من الشاحنات المتوسطة والثقيلة إلى كهربائية بالكامل بين عامي 2035 و2042 اعتماداً على فئة المركبة.

لكن الولاية تواجه تحديات من نظيراتها في البلاد. حيث رفعت 19 ولاية والعديد من منظمات النقل بالشاحنات دعاوى قضائية؛ لمنع تنظيم ولاية كاليفورنيا. معتبرين أن تفويضات الانبعاثات الصفرية تعطل قطاع النقل الذي يعتمد على المحركات ذات الاحتراق الداخلي، وترفع تكاليف الشحن، وتخرج الشركات ذات الصلة من دورة العمل.

ختاماً، لا بد من عقد محادثات دائمة «عامة وخاصة»؛ لمناقشة التحديات الأخلاقية والمعنوية لدعم سلسلة توريد «معادن الألم»، والتداعيات المباشرة جراء استخراجها لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية الصغيرة والكبيرة.

*مؤسس شركة «بي تي إس أدفانس» للطاقة والبنية التحتية الأمريكية «أوراسيا ريفيو».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2kr67y7w

عن الكاتب

مؤسس شركة «بي تي إس أدفانس» للطاقة والبنية التحتية الأمريكية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"