الشهرة على متن طبق وسُفرة

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

وأنت تتجول وتتصفح «إنستغرام»، و«إكس»، و«تيك توك»، وغيرها.. تستوقفك ظاهرة اهتمام أغلبية أصحاب الصفحات والمؤثرين، وحتى الراغبين في دخول عالم الترند والشهرة، بتقديم وصفات غذائية، ونصائح، وإرشادات، و«تكّات»، فتشعر بأن الجميع أصبح يجيد التفنن في صناعة أشهى الأطباق والمأكولات، ما عداك أنت، والكل يملك مخزوناً من المعلومات الصحية عن المواد الغذائية فيوجّهك إلى ما يفيدك لتأكله، وينهاك عن «المضرّ» كي تتجنّبه، وأنت تتمايل على إيقاع أمزجتهم؛ والغريب، أنهم يسيرون جميعاً في اتجاه واحد، فيُغرقون الصفحات معلومات عن فوائد الشوفان مثلاً، ويغرونك بوصفات شهية ليصبح هو حديث الصباح والمساء، تتغذى عليه فقط، وما بين الشوفان الصباحي والشوفان المسائي، تسلّي نفسك بطبق مختلف من وجبات «الترند» أيضاً.. لكن الأغرب أنك تصحو بعد أشهر طويلة، وربما سنتين وأكثر، لتجد انقلاباً في «السوشيال ميديا» على الشوفان باعتباره «غذاء للحصان»، لا للإنسان، وتتوه بين من يؤكد، ومن ينفي.

حديثنا ليس عن الشوفان، بل عن الغذاء، وطريقة تعاملنا معه، وتفكيرنا فيه، كيف صارت اللقمة «ترند»، وصار الفيتامين الذي كنا نتلقفه بشكل تلقائي، من الطبيعة والشمس والطعام، مجموعة مكمّلات غذائية نشتريها من الصيدلية، وصارت الموائد أصنافاً، وبهرجة، ومغريات، بعدما كانت لقمة هنيّة، وموروثاً ثقافياً يعكس هوية وتاريخاً.. حديثنا عن الغذاء ربما يحثنا عليه معرض «جلفود» الذي انطلقت دورته ال٢٩ أمس، في مركز دبي التجاري العالمي وهو «أضخم المعارض السنوية في قطاع الأغذية والمشروبات على مستوى العالم»، حيث تتم مناقشة أنظمة الغذاء العالمية، وسبل الارتقاء بها «لضمان توفر الغذاء في ظل تزايد عدد سكان العالم بصورة مستمرة، إلى جانب تكثيف الجهود لمواجهة الأزمات في المستقبل، من خلال تعزيز المرونة والحد من تداعيات التغيّر المناخي»

ولا شك في أن المعرض يبحث أيضاً في سبل وقف هدر الطعام، والذي يشكل أكثر من ثلث إنتاج الغذاء العالمي، وهو رقم مخيف، خصوصاً أن بقعاً مختلفة من هذا العالم تعاني شعوبها فقراً مدقعاً، وما زالت المجاعة تتفشى، ومازال هناك بشر يبحثون عن أي لقمة، وأيّ كسرة خبز، يقتاتونها. «السوشيال ميديا» فتح مجالاً كبيراً لفئة من الناس لتركب موجة الشهرة على متن طبق وسُفرة، وما كنا نسمّيها لقمة عيش، صارت لقمة ترند، يقصدون المطاعم، ويتولّون الترويج الدعائي لها من خلال فيديو يصورون أنفسهم يأكلون كل ما لذّ وطاب، فتشتهي نفسك، وتسرع إلى تذوّق مأكولات هذا المطعم، وتكتشف في كثير من الأحيان أنهم خدعوك، وأن الصورة شيء، والطعم والواقع شيء آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/33sbhmak

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"