عادي
الذكاء الاجتماعي

آداب المجالس

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
لم يترك الإسلام سلوكاً للإنسان إلا وضبطه بضوابط مثالية، وأحاطه بأخلاقيات راقية، ولقد حظيت آداب المجالس بنصيب وافر من التوجيهات حتى يصبح المجتمع آمناً يشيع فيه الحب والاحترام، فشرع جملةً من الآداب ينبغي معرفتها والتحلي بها. من هذه الآداب السلام عند الدخول إلى المجلس وعند الخروج منه. قال النّبي صلى الله عليه وسلم: «إذا انْتَهَى أحدُكُمْ إلى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ فإذا أرادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَليسَتِ الأُولَى بِأَحقَّ مِنَ الآخرةِ».

التوسّع في المجلس من الآداب المهمة، ويكون ذلك على قدر الاستطاعة. وأشارت النّصوص الشّرعية إلى هذه الآداب منها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ».

ومبادرتك بالترحيب للداخل، والإفساح له في المجلس يدلان على أدبك الرفيع، ولهما عظيم الأثر، فيجد في نفسه محبةً ووداً للفاسح، بل وتستقر في نفسه ويحفظها له، وأثر ذلك مشاهد ومحسوس. قال عمر بن الخطاب، رضي ﷲ عنه: «ثلاث تثبت لك الودّ في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه».

ولو لم يأتِ فضيلة للتفسح إلا قوله: «يفسح الله لكم» لكفى باعثاً على المبادرة بالتفسح، فضلاً عن أنه أطلق جزاءه ولم يقيده ليعمّ كرماً منه جل جلاله‏. ومن جميل ما قيل في تفسير قول الله سبحانه: «إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ» أن المراد: يفسح لكم الله في صدوركم، وهو معنى جليل، سعة القلب وسعة الصدر والسعة التي يرى بها المرءُ كل شيء واسعاً، وكان الأحنف إذا أتاه رجل أوسع له، فإن لم يكن له سعة أراه كأنه يوسع له.

من الأدب الرفيع الذي يترك أثراً في النفس الترحيب بالداخل على الجماعة، والإفساح له ليجلس، قال ابن عباس رضي ﷲ عنه: «إن لكلِّ داخلٍ دهشة، فآنسوه بالتحية». ومن الآداب عدم طول المجالس فذلك مدعاة للتنازع والتنافر والوقوع فيما لا يُحمد؛ لذا وجهنا المولى، عز وجل، فقال: «فإذا طعمتم فانتشروا».

ويُروى عن الإمام الزهري أنه قال: «إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب».

وليسَ من كمَال الأدَب والمُروءَة أن يكُونَ الزَّائرُ مُفاجِئاً للمَزُورِ ولا عِلْم له به؛ فكم من أحوالٍ لا يستطيعُ أهلُ البيتِ استقبَالَ أحدٍ بسبِبها؛ ومع وفرةِ وسائل التواصل، فإن التنسيقَ والتزامَ هذا الأدب مع الناسِ لم يعُودا يكلِّفان شيئاً، ورحم الله الأديبَ العقاد، فقد باغته زائرٌ بغير موعد، قبل الجوالات، فجرَّه العقاد من يده، وأشار له إلى الهاتف، وقال: «هذا جهاز يستخدمه الناس قبل الزيارة»! فكيف لو رأى وسائل التواصل الحديثة! وإكرام الضيف دليل على قوة الإيمان، وهو عبادة تقرب الإنسان من ربه قال الفضيل بن عياض، رحمه الله: «لأن يلاطف الرجل أهل مجلسه، ويحسن خلقه معهم خير من قيام ليله وصيام نهاره». وقال أحد العلماء: «لا ينبغي أن نقول إن إكرام الضيف من العادات بل نقول: إنه من العبادات لأن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، وأكد القرآن الكريم هذا المعنى من خلال عرضه لقصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وفيها أن الإسراع بالقِرى من تمام الكرم وحسن الضيافة كما ذكر الله تعالى عن كرمه عليه السلام: «فراغ إلى أهله». أي: انسلّ في استخفاء وسرعة «فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ» أي: ممتلئ لحماً وشحماً، من آداب الضيافة تقديم أفضل الموجود، «فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ» أي: ما أبطأ في مجيئه «بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» أي: مشوي على الرضف وهي: الحجارة المحماة، والشواء ألذ ما يؤكل.

سُئل ابن عباس، رضي الله عنهما: من أكرم الناس عليك؟ قال: «جليسي حتى يفارقني».

ومن آداب المجالس جلوسك على ما يريده مضيفك: استأذن على الإمام مالك صديقٌ له فأذن له، وكانت للإمام بطيخة في ناحيةٍ، فرمى بمنديل عليها، فلما دخل الرجل قال له الإمام: اجلس ها هنا، فأبى أن يقعد إلا على المنديل، فتفتّحت من تحته البطيخة، فنظر إليه وهو يلتوي وقد آذاهُ بَردُ البطيخ،‏ فقال: «يرحمك الله؛ كنا أبْصرَ بعوار منزلنا منك».

‏وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ في مَجْلسٍ فَكثُرَ فيهِ لَغطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ منْ مجلْسِه ذَلِكَ: سبْحانَك اللَّهُمّ وبحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْت أسْتغْفِرُكَ وَأتَوبُ إليْك: إلا غُفِرَ لَهُ ماَ كان َ في مَجْلِسِهِ ذلكَ».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4bt2ut4p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"