عادي
نحن والآخر

حقوق المواطنة لغير المسلمين

22:50 مساء
قراءة 4 دقائق
حقوق المواطنة لغير المسلمين

نظّم الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع على أسس من التعاون القائم بين جميع مواطنيه، دون تفرقة بينهم، وجعل الجميع- مسلمين وغير مسلمين- سواسية في الحقوق والواجبات، بل إن الإسلام ضمن للآخر الذي يعيش في المجتمع الإسلامي حقوقه وحرياته الدينية، في أول وثيقة دستورية للدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، عقب الهجرة، والمعروفة باسم «صحيفة المدينة» التي نظمت العلاقة بين طوائف المجتمع المختلفة. كما أكد القرآن الكريم طبيعة العلاقة بين المسلمين والآخر في المجتمع بقول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)الممتحنة: 8.

ولعل ما يميز الشريعة الإسلامية الغراء عن غيرها من الشرائع والأديان الأخرى، أنها لم تجعل الحقوق لأهلها فقط، وإنما أشركت الآخر من غير المسلمين مع المسلمين في كثير من الحقوق، فكل مَن يعيشون في المجتمع الإسلامي مواطنون، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا فرق بين مواطن وآخر، ما يؤكد تفرّد الإسلام في الاعتراف بالآخر، بل وحرصه على منحه حقوقه، كما أن عليه الالتزام بواجباته نحو وطنه ومجتمعه. ومن هذه الحقوق التي كفلها الإسلام لمواطنيه غير المسلمين:

حقهم في الحياة: فالإسلام ينهى عن قتل الإنسان، بل إنه ينهى عن قتل الإنسان لنفسه، يقول تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32)، وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29)

حقهم في حفظ كرامتهم الإنسانية: حيث كرّم الله تعالى الإنسان، ورفع منزلته على كثير من خلقه، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)، كما أشار القرآن الكريم إلى أن أصل البشر جميعاً واحد، وأنهم متساوون في الكرامة الإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات: 13)، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المعاني السامية في خطبة الوداع، فقال: «أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».

حقهم في العدل: وقد أمر الإسلام بإقامة العدل بين الناس جميعاً، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (النحل: 90)، بل إنه يشدد على إقامة العدل حتى مع وجود خصومة أو عداوة، يقول تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) (المائدة: 8). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ظلم ذمياً، أو كلفه فوق طاقته، فأنا حجيجه». ولعل قصة القبطي المصري مع ابن عمرو بن العاص، والي مصر، خير شاهد على تطبيق العدل مع غير المسلمين.

حقهم في الحرية: فالإسلام يمقت العبودية إلا لله وحده، ويجعل تحرير الإنسان من أقرب القربات لله تعالى، يقول جلّ شأنه: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ) (البلد: 11-13)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار»، ويقول الخليفة العادل عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟»

هدم تفرقة

حقهم في المساواة: فالإسلام لا يفرق بين إنسان وآخر؛ لأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى»، ويقول في المساواة في العقوبة: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعتُ يدها».

حقهم في حرية الاعتقاد: فالقاعدة الأساسية في هذا الشأن، قول الله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 6)، وأكد الإسلام أنه لا إكراه في الدين، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، وقال جلّ شأنه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99). كما احترم الإسلام حرية الآخر في ممارسته شعائر دينه، والحفاظ على مقدساته، ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: «لا تقتلوا أصحاب الصوامع»، كما كان أبو بكر الصديق يوصي جيوش المسلمين بعدم التعرض لهم، ومن ذلك قوله: «وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له». ولعل «العهدة العمرية» لأهل بيت المقدس خير شاهد على الحرية الدينية لغير المسلمين، وحقهم في ممارسة شعائر دينهم، والحفاظ على كنائسهم، ومما جاء فيها: «هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم، ولكنائسهم، وصلبانهم... لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم».

حقهم في التعليم: حيث يحث الإسلام على ضرورة التعلم، ويقرر أن التعليم حق للجميع، ويتضح أهمية هذا من أن أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي قول الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: 1)، كما يحث القرآن الكريم على ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي في قوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس: 101).

حقهم في رعاية الدولة: فالإسلام يقرر أن من واجب ولي الأمر رعاية مصالح المواطنين في دولته، وتأمين ضرورات حياتهم، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: 58)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن الله استخلفنا فيهم- أي: الناس- من أجل سد جوعتهم، وستر عورتهم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47zemaa8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"