عادي

«أدب الكاتب».. فن الرصانة اللغوية

23:32 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

النحوي واللغوي الشهير أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 ه - 276 ه / 828م - 889م) هو مؤلف كتاب «أدب الكاتب» ذائع الصيت، وهو فقيه ومحدث ومؤرخ من أصل فارسي، يُذكر أنه ولد في الكوفة، وعاش متنقلاً بينها وبين بغداد، قبل أن ينتقل إلى مدينة «الدينور» التي تولّى قضاءها، ثم يعود إلى بغداد ويتوفى فيها.

كان ابن قتيبة عالماً باللغة العربية والشعر، تتلمذ على العديد من العلماء، مثل إسحاق بن راهويه، وحرملة بن يحيى، ودرَس اللغة والنحو والقراءات على أبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وروى عن الأصمعي.

تولى قضاء «الدينور» ببلاد فارس، بعد أن ذاع صيته، وانتشر صدى علمه، فتواصل مع علمائها، وتدارس معهم مسائل الفقه والحديث، ثم عاد إلى بغداد واستقر بها، واتصل بوزير الخليفة المتوكل، أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وأهدى له كتابه «أدب الكاتب»، وأقام هنالك حلقة للتدريس؛ حيث تتلمذ عليه الكثير من العلماء، مثل: ابنه القاضي أبو جعفر أحمد بن قتيبة، وأبو محمد قاسم بن أصبغ البياني، وابن درستويه.

أثنى عليه العلماء كثيراً، ومن ذلك: قول أبي القاسم الأزهري: «وما رأيت أحداً يدفعه عن الصدق فيما يرويه»، وقال ابن الأنباري: «كان فاضلاً في الفقه والنحو والشعر، متقناً في العلوم، وله المصنفات المذكورة والمؤلفات المشهورة»، وقال الذهبي: «العلامة الكبير ذو الفنون، صَنَّفَ وجَمَع، وبَعُدَ صِيته، كان اللسان العربي والأخبار وأيام الناس، والرجل ليس بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمّة وعلوم مهمّة».

ألف ابن قتيبة حوالي 78 كتاباً: من بينها: «تأويل مختلف الحديث»، و«المعارف»، و«عيون الأخبار»، و«الشعر والشعراء»، و«الإمامة والسياسة»، و«مشكل القرآن»، و«تفسير غريب القرآن»... إلخ.

أصول

يعتبر كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة من أمهات كتب اللغة العربية، التي تهتم بتصحيح وتحسين الأسلوب اللغوي، ورغم أن من يقرأ عنوانه قد يتصور أنه موجه للمشتغلين في الكتابة الأدبية فحسب؛ فإنه في الحقيقة أهم كتاب قد يستفيد منه أي كاتب أو مُتحدِّث بهذه اللغة، مهما كان مستواه أو نوع الكتابة التي يعمل عليها، وقد تحدث فيه مؤلفه عن جملة من الأصول النظرية والعملية والآداب والمعارف، التي يجب على كل من يفكّر في الكتابة أو الكلام باللغة العربية أن يلتزم بها.

بدأ ابن قتيبة الكتاب بمقدمة يبين فيها الأسباب التي جعلته يؤلفه؛ إذ يقول فيها: «فلما أن رأيت الشأن كل يوم إلى نقصان، وخشيت أن يذهب رَسمُه ويعفوَ أثره؛ جعلت له حظاً من عنايتي، وجزءاً من تأليفي، فعملت لمُغْفِل التأديب كُتُباً خفافاً في المعرفة، وفي تقويم اللسان واليد، يشتمل كل كتاب منها على فن، وأعفيته من التطويل والتثقيل»، ثم عرض مضمون الكتاب ومادته، حيث قدّمه في أربعة أقسام، عنون أولها ب «كتاب المعرفة»، ويتألف من ثلاثة وستين باباً، تحدث فيها عن أمور من بينها: معرفة ما يضعه الناس في غير موضعه، وتأويل ما جاء مثنى في مستعمل الكلام، وتأويل المستعمل في مزدوج الكلام، وأصول أسماء الناس، وصفاتهم، ومعرفة ما في السماء والنجوم والأزمان والرياح، والنبات، والنخل، وذكر ما شهر منه الإناث، وما يعرف واحده ويشكل جمعه، وما يعرف جمعه ويشكل واحده، وعيوب الخيل وخلقها وشياتها وألوانها وسوابقها، والأسماء في الشيء الواحد لاختلاف الجهات، والأسماء المتقاربة في اللفظ والمعنى، وتسمية المتضادين باسم واحد... إلخ.

آفاق

أما القسم الثاني فهو «كتاب تقويم اليد»، ويتضمن سبعة وأربعين باباً؛ حيث تحدث عن أمور مثل: إقامة الهجاء، وألف الوصل في الأسماء، والألف مع اللام للتعريف، وما تغير فيه ألف الوصل، ودخول ألف الاستفهام على ألف الوصل، ودخولها على ألف القطع، وحذف الألف من الأسماء وإثباتها، وما كانت الهمزة فيه لاماً وقبلها ياء وواو، والتأريخ والعدد، وما يُمد ويُقصر... إلخ.

بينما جاء القسم الثالث بعنوان «كتاب تقويم اللسان»، ويتوزّع على خمسة وثلاثين باباً، تبدأ بالحرفين يتقاربان في اللفظ وفي المعنى ويلتبسان، فربما وضع الناس أحدهما موضع الآخر، والحروف التي تتقارب ألفاظها وتختلف معانيها، والمصادر، والأفعال، وما جاء فيه لغتان استعمل الناس أضعفهما... إلخ.

وخصص القسم الرابع والأخير للأبنية (كتاب الأبنية)، حيث استعرض أبنية الأفعال، ومعاني أبنيتها، وأبنية الأسماء، ومعاني أبنيتها، وقد اعتمد في بَسْط مادته على آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأمثال والشواهد الشعرية، مُوضحاً بعض الكلمات والعبارات التي قد لا يسهل استيعابها.

لقي الكتاب الكثير من الاهتمام والاحتفاء منذ ظهوره وحتى أيامنا هذه، فشرحه العلماء ولخّصوه وحقّقوه، يقول ابن خلدون في مقدمته: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن (أي: اللغة والأدب) وأركانه أربعة دواوين وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي على القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتوابع لها وفروع عنها».

وقد طبع وحقق عدة مرات، أشهرها: طبعة المكتبة التجارية بمصر سنة 1963م بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وطبعة مؤسسة الرسالة، والتي حققها واعتنى بها محمد الدالي، وطبعة مؤسسة الرسالة سنة 2008م، بتحقيق علي محمد زينو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rwrne85

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"