عادي
الذكاء الاجتماعي

المجالس مدارس

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه

المجالس لها أهمية في توطيد التعاضد والتآزر بين أفراد المجتمع، وتأكيد التمسك بالقيم والعادات والتقاليد الأصيلة، والتنشئة الاجتماعية على أصولها. كما أن لها أهمية تثقيفية كونها تعلم النشء فنون الأدب، وكريم الأخلاق، وبالمصطلح المحلي «السنع» وبالتعبير الغربي «الإتيكيت».

وحوارات المجالس وطرق تصرف الناس فيها تمثل مدرسة اجتماعية، فالمجالس تعلم فنون التعامل من خلال طيب الكلام، وجميل الرد وحركة الجسد، وتعابير الوجه وحسن الإصغاء ولباقة الجواب والرد..‏ وبهذا يتربى الناشئة على مكارم الأخلاق وفنون الحياة التي بموجبها يتماسك المجتمع وتسوده المحبة والتعاون. يتعلم النشء ألا يضحكوا إلا بسبب، وألا يتكلموا إلا بإذن وإذا جاء دورهم في الكلام. وفي المقولة المشهورة: «الضحك بلا سبب من قلة الأدب». وأنا أقول: كذلك العبوس الدائم بلا سبب من الجفاء وخلاف الأدب، ومن لا أدب له لا عقل له

مِن لا يحوش المرجلة في شبابهْ ما عاد يدركها ليا صار شايبْ

وقريبٌ منه البيت العربي القائل:

إذا المرء أعْيَتْهُ المروءة ناشئاً

فمطلبُها كهلاً عليه شديدُ

‏والجلوس مع الكبار، والإفادة من تجاربهم، والأخذ بنصائحهم، تختصر للشاب فترة زمنية كبيرة من حياته المستقبلية تجعله لا يحتاج أن يخوض تجارب مجهولة.

يقول الشاعر:

اجلس مع اللي راسه الشيب ماليه

‏واللي تجاعيد الزمن في جفونه

‏يعطيك من خبرة حياته وماضيه

‏ درسٍ كثير من البشر يجهلونه

ولا تزال المجالس بخيرٍ ما بقي

فيها أحدٌ يُستَحَى منه!

وقف رجلان بباب أحد الخلفاء فأذن لأحدهما قبل الآخر فأسرع الأخير في مشيته ودخل قبل الأول فقال الخليفة: «والله ما أذنت له قبلك وأنا أُريد أن تدخل قبله وإنا كما نلي أموركم نلي أدبكم ولا يزيد متزيد في أمره إلا لنقص يجده في نفسه».

والعرب تقول: «ربَّ عجلةٍ تَهَبُ رَيثاً»، يريدون أن الرجلَ قد يَخْرَقُ ويَحْمُقُ فيَعْجَلُ في حاجته فتتأخَّر أو تبطل بذلك. ويضرب ذلك مثلاً للرجل يشتد حرصه على الحاجة، فيخرق فيها، ويفارق التؤدة في التماسها، فتفوته وتسبقه.

ومن قواعد الفقه: «من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه». ومعناه: من تعجل حقه وما أبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه.

والعرب أهل حكمة وضيافة وكرم، وهم بهذا مشهورون بين الأمم، ويفرحون بالضيف، ويعتبرون استقبال الترحيب المُبهج أهم من الضيافة والطعام‏، ومن أدب الضيافة وتمامها عند العرب «الطلاقة عند أول وهلة وإطالة الحديث عند المؤاكلة». وأحسن الشاعر حين قال:

أُضاحك ضيفي قبل إِنزال رحله

ويخصبُ عندي والمحلُّ جديبُ

وَما الخصب للأَضياف أَن يكثر

القِرى ولكنما وجه الكَريم خَصيبُ

سئل أعرابي عن الكرم فقال: «أما الكرم في اللقاء فالبشاشَة، وأما في العِشْرة فالهشاشة، وأما في الأخلاق فالسّماحة»، فالبِشْر دال على السَّخاء ومن حسن الخلق أن يحدِّث الرجل صاحبه وهو مبتسم.

ومن مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يهتم بأصحابه حتى يظن الواحد منهم أنه أحب الناس إليه، فمهارة أن تشعر كل إنسان أنه أهم وأحب وأقرب شخص؛ تتطلب ذكاء اجتماعياً

وليس كحال بعض المجالس في هذا العصر التي وصفها الشاعر بقوله:

ياما حلا الفنجال من غير جوال

في مجلس مافيه شخص يشيله

راحت مجالسنا سنابات وهبال وكلٍ يراسل صاحبه مع خليله

ومن آداب المجالس المبالغة في إكرام الضيف، فهي من مفاخر العرب قال شاعرهم:

وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاوياً

وما فيّ إلا تلك مِن شيمةِ العبدِ

وقال المهلّب: «ليس للأحرار ثمن إلا الإكرام فأكرم حرّاً تملكه».

‏دُعي أحد الشعراء إلى مجلس وقدموا له كأساً من الشراب فارتجفت يده وتقاطر بعض الشراب على الأرض فارتجل:

شَرِبْنا شَرابًا طَيِّبًا عِنْدَ طَيِّبٍ

كَذاكَ شرابُ الطَّيِّبِينَ يَطِيبُ

شَرِبْنا وَأَهْرَقْنا عَلَى الأَرْضِ فَضْلَهُ وَلِلأَرْضِ مِنْ كأسِ الكِرامِ نَصِيبُ

ومن آدابنا في خِتام المجالس: التبخير بالعود كما يُق`ال: «ما بعد العُود قعود»

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yh9ft636

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"