عادي

سلّم لِتسْلم

23:56 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«أفشوا السلام تسلموا، والأشرة شر». ومعنى الأشرة: أي: الاستكبار والبطر، فإن أردت أن تسلم من الكبر وتتخلق بخلق التواضع فسلم على الصغير، والكبير، فقد كان النبي لشدة تواضعه إذا مر على صبيان يلعبون سلّم عليهم. وفي هذا دليل على التواضع والرحمة، كما أن فيه تربية الناشئة على تعاليم الإسلام، وغرس العزة والرجولة في نفوسهم، وأن لهم مكانة وقدراً واعتباراً وغير ذلك من الفوائد.

قال ابن مسعود، رضي الله عنه:«رأس التواضع أن تبدأ من لقيتَ بالسلام». ولذا حرص الصحابة وسلف الأمة على هذه الشعيرة؛ فقد كان بعض الصحابة كابن عمر وأبي هريرة يخرجون للسوق لا يريدون إلا السلام على الناس، وذلك لشدة حرصهم على الامتثال، وتحقيق ذلك الفضل واكتساب الأجر، فكانوا يمرون بالسوق لا لحاجة إلا لإلقاء السلام على الناس جميعاً صغيرهم قبل كبيرهم؛ رغبة في زيادة الحسنات ومحو السيئات وجلب المغفرة والرحمات ونيل أعلى الدرجات في الجنات.

وكان ابن عمر يغدو إلى السوق فلا يمر على أحد إلا سلّم عليه، فيقال له: وما تصنع في السوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تجلس في مجالس السوق؟ فقال: «إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا». وهذا من فقهه وغزارة علمه وتطبيقه لهدي الإسلام وشعائره.

وتخصيص السلام لمن يعرف من أشراط الساعة كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة». وفي رواية:«إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة»، أي: أن يسلم الخاصة على بعضهم البعض ولا يلقون السلام على من لا يعرفون! وهذا أمر مشاهد في هذا الزمن، فبعض الناس لا يسلمون إلا على من يعرفون، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على إفشاء السلام «على من عرفت ومن لمن تعرف». وإن لقيت جماعة فسلم عليهم جميعاً ولا تخص أحدهم بالسلام لنهي النبي عن ذلك، ولأنه يولّد الوحشة والمقصود من السلام الألفة

ولقد حذرنا النبي من ترك السلام، وذمه أشد الذم ووصفه بأبخل الناس فقال، صلى الله عليه وسلم:«أبخل الناس من بخل بالسلام»؛ لأنه بخل بأيسر شيء وهو تحريك شفتيه ولسانه بالقول يناله به أجراً عظيماً، فأي بخلٍ أشد من هذا؟ ولذا قيل:

وأهون ما يعطي الصديق صديقه من الهين الموجود أن يتكلما

فهو بخل بأسهل الأعمال وأخف الأقوال وما لا ضرر عليه، فبخل على نفسه وعلى غيره بالأجر والثواب، فلا يدرى أحدنا أي عمل ينجيه ويدخله في رحمة الله إلى يوم يلقاه، فرب سلام على فقير مجهول في الأرض مشهور في السماء فيستجيب الله دعاءه عندما يرد ويقول: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فتحل عليك البركة والرحمة والرضوان من الله طول حياتك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم». وقال:«رُبَّ أَشْعَثَ أغبر مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره».

وفي إفشاء السلام أجر كبير، ففي كل جملة منه عشر حسنات، وهو ثلاث جمل، فلمن جاء به كاملاً ثلاثون حسنة. قال صلى الله عليه وسلم:«من قال: السلام عليكم كتبت له عشر حسنات، ومن قال:السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة».

ولذا تتكرَّر لفظة «السلام» ومشتقاتها في القرآن الكريم ما يقرب من 50 مرة؛ احتفاءً بشأن السلم وتأكيداً على دوره العظيم في بناء الفرد والمجتمع، ولذا سمى المولى، جلّ وعلا الجنَّة التي أعدَّها لعباده الصالحين باسم: «دار السَّلام» وفي ذلك إشارة إلى أن من طبق مفهوم السلام في الدنيا كما يحب الله ويرضى، كان جزاؤه في الأخرة دار السلام، فالجزاء من جنس العمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc7f8844

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"