جولة في متاهات معنوية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس الشهر الفضيل ظرف زمان مناسباً لأسئلة من قبيل: لماذا لا توجد في البلاد العربية موسيقى صوفيّة راقية؟ تسأل: ما معنى رفيعة؟ بمعنى جادّة، عالمة، لها مؤلفون موسيقيون أكاديميون، فيها أصناف كورالية متعددة الأصوات (بوليفونية)، ومنها موسيقى مستقلة عن الكلمات لا تستمدّ التعبير من النصوص.

هذا الطرح يوقعنا في منزلق يجرفنا إلى منحدر كتداعي أحجار الدومينو. لا مفرّ من السؤال: لماذا كان عطاء الأدب الصوفي، في تاريخنا العربي تحديداً، لا عطاء الحضارة الإسلامية عامّة، نزراً قليلاً؟ المقصود الأدب الصوفي الإبداعي، الشعري بخاصة. الغزارة كانت في التصوف النظري والتنظيري وذلك النهج الذي يجمع بين التصوف والفلسفة. تأمّل غزارة الإنتاج لدى محيي الدين بن عربي، ستجد نسبة الإبداع الأدبي قليلة. وقس على ذلك النفّري ونظراءه. ما يعني صعوبة الاستفادة من تلك النصوص في أعمال موسيقية صوفية.

التداعيات أبعد، لأن تيّار البحث الاستقصائي، سيجرّنا إلى سؤال يحتاج إلى المفكرين والأدباء وعلماء النفس للإجابة عنه: لماذا كان الشعر العربي، في الكثير منه، منذ الجاهلية، ميّالاً إلى مراكمة الأفكار وصياغتها في قوالب يَسهُل حفظها، أكثر ممّا كان منجذباً بطبعه إلى التحليق في الخيال. من أساسيات نقد الشعر، في نظر القلم، حتى لا يصدّع المرء رأسه جزافاً، أن كل ما يجرّك إلى الجدل وميز الخطأ من الصواب،ليس بشعر. حين يقول لك المتنبي: «والظلم من شيم النفوس فإن تجدْ.. ذا عفة فلعلّةٍ لا يَظلمُ»، فإنك تحتاج إلى برلمان فيه موافقون ومخالفون للتصويت النهائي. إزاء هذا النوع من الأشعار، يصير ذوق جنابك كالسمكة التي يخرجونها من الماء. الحل هو ألّا يكون السامع ناقداً، أو أن يكون تذوّقه برمائيّاً فيعود إلى الاستمتاع بعد كل بيت من ذلك القبيل الجدالي.

من العسير الحفاظ على التوازن في هذا المسار، فالمشكلة الأساسية في عدم نشوء موسيقى صوفية روحية معنوية غير حسيّة، في العالم العربي، هي أن الموسيقى ولدت ونمت في أوساط لا تربطها رابطة بالفكر والروح والمعنويات. لقد نشأت في مجالس ملؤها المادّة والاستهلاك، فكانت مستحضرات تجميل وتسويغ للكلمات، فلم تعبّر الموسيقى عن نفسها ولا عن الروح.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: كم هو عسير اللحاق بقطار العصر بلا فلسفة وعلوم، فكيف ترى صعوبة إحياء الروحانيات في زمن يعاديها فيه الأقوياء؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mry6yxt7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"