لم يطلب أحد ذلك منك

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

في بداية مسيرتنا المهنية، نضع نصب أعيننا أهدافاً متعددة نسعى لتحقيقها، بهدف بلوغ النجاح الذي نحلم به. نبدأ رحلتنا بركوب قطار التضحيات بغية مطاردة أحلامنا الوردية، فنغفل عن حياتنا الشخصية ومسؤولياتنا تجاه الأسرة والزوجة والأطفال والأصدقاء وحتى أنفسنا، مما يمنحنا شعوراً مؤقتاً بالرضا والفخر تجاه قدرتنا على العطاء والتفاني من أجل الوظيفة وتلبية الآخرين.

تعمل لساعات متأخرة من الليل، وهاتفك المتحرك بجانبك دوماً، لا يفارق يدك لحظة واحدة. تتفقد بريدك الإلكتروني بانتظام تحسباً لأي رسالة قد تحمل دعوة لمهمة جديدة بانتظارك، وإجازات نهاية الأسبوع لا تخلو من حضور مناسبة أو معرض أو حفل تكريم دون فرصة للاسترخاء. تمر السنوات على هذا المنوال، ورصيد إجازاتك السنوية بازدياد مطرد لعدم قدرتك على تفويض مهامك لأحد آخر، بسبب اعتمادهم الكبير عليك كمسؤول أو موظف مجتهد.

تبدأ رحلة صعود سلم النجاح، بحرمان نفسك من الإجازات، والسعي خلف شهادات التقدير والمكافآت، وخلاف ذلك مما يعطيك إحساساً زائفاً بالإنجاز والاكتفاء، يطمس شعور تأنيب الضمير وإحساسك بالتقصير تجاه نفسك وأحبتك. والنتيجة الحتمية، وصولك إلى نهاية المحطة منهكاً خائر القوى، لتجد بانتظارك ورقة تدعى «شهادة تقدير» وهدية رخيصة، حينها لا تصرخ بوجه العالم مستنكراً: «عملت، وضحيت، وبذلت!»، لأن الجواب الأكيد معروف: «لم يطلب أحد ذلك منك!».

من هذا المنظور، ثمة سؤال أساسي عليك أن تطرحه على نفسك: هل تستحق النتائج المتوقعة كل هذه التضحيات؟ الإجابة واضحة وضوح الشمس، فلا نجاح يعادل لحظة سعادة حقيقية، قد لا تتكرر، تقضيها مع نفسك أو برفقة الأهل والعائلة والأصدقاء، ولا إنجاز بالعالم بوسعه أن يعوضك عن فقدان الصحة النفسية أو الجسدية جراء سعيك المستميت لإرضاء من تعمل معهم، متجاهلاً كل الإشارات الحمراء التي تنبهك إلى ضرورة الضغط على الفرامل قبل فوات الأوان.

من الآن فصاعداً، سواء كنت مسؤولاً أو موظفاً جديداً أو قديماً، لا بد أن توازن بين الحياة المهنية والشخصية. والأولوية القصوى لكل من تشملهم حياتك الخاصة بمن فيهم أنت نفسك، لأن الاستثمار في هذه العلاقات هو الأولى، والزوجة هي شريكة الدرب التي سترافقك حتى نهاية مشوار الحياة.

اعمل واجتهد ضمن إطار ساعات العمل، وتعلم أن تقول «لا» لأي مطالبات خارجه. تذكر أن آخر محطة لقطار التضحيات تسمى «لم يطلب أحد ذلك منك». فلا توصل نفسك إلى مرحلة «أنا ضحيت، وقدمت، وأعطيت»، بل بمجرد بلوغك نهاية الرحلة، انزل في المحطة وأنت الرابح؛ لأنك أعطيت وظيفتك حقها دون نقصان، ومنحت أحباءك الرعاية الكافية، فهم سندك بهذه الحياة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"