نحو استراتيجية للشعر العربي

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

هل كان الشعر العربي ساذجاً حين انقاد بلا إرادة لتيارات التخلي التدريجي عن الإيقاع الشعري؟ حتى لا يعجل علينا القوم بملصقات التّهم، ذكرنا الشعر لا الشعراء. كنّا نتمنى أن يكون شعرنا العربي في مأمن من الاستلاب بغير رويّة. يؤسفنا أن شعراءنا، والذنب الأكبر يقع على النقّاد، لم يحسبوا حساباً لما بعد قصيدة النثر، مثلما لا تكون لدى العسكريين خطط لما بعد الحرب.

من المهاوي التي يقع فيها الكثير من المبدعين توهّم أن الفنان لا تربطه رابطة بالبحث العلمي. جان سباستيان باخ استخدم حتى المعادلات الهندسية والرياضية في التأليف الموسيقي. هذه الخصلة عريقة في تراثنا، ولكن بعض المبدعين لا يعلمون. في أيّ ميراث ثقافي يوجد نظير للحوليات؟ قصيدة تستدعي عاماً من الطبخ على نار هادئة. كإنضاج عجلٍ على نار شمعة، كسقي الحديقة من ماء دمعة.

لكل فنّ جانبان، نظري وتطبيقي، وكلاهما يحتاج إلى دراسة. على المبدع ألاّ يعوّل بلا حيطة ولا حذر على قول جلال الدين الرومي: «كل شعر يأتي من دوني يكون رائعاً»، فحتى هذه المقولة لها استثناءات لا تحصى، مثلاً: إذا كان موضوع الإبداع ملحمةً فهل في الإمكان أن تهبط ورقاء الإلهام من المحل الأرفع دفعة واحدةً، كاملةً؟ بيتهوفن يقول: «العبقرية 10% الباقي كله جهد ومعاناة».

أين مكمن ضرورة البحث والتحقيق؟ الشعراء أهل يقظة، سوى أنهم انطلت عليهم حلاوة المجاراة فانساقوا، وسوست لهم الموجات الأوروبية، فظنوا أن إلغاء الإيقاعات سرمدي، مثلما زلّت قدم فوكوياما فنادى بنظرية «نهاية التاريخ». هؤلاء دعوا إلى نهاية تاريخ الإيقاع. ما هي مقومات الإيمان بأبديّة قصيدة النثر؟

الخطأ الذي لا يغتفر هو أن انجراف شعراء الحداثوية كان دليلاً على تجاهل طبيعة الشعر العربي، القائمة على التفعيلة، أي أن الذائقة العربية مختلفة عن البنى الذوقية لموسيقى الشعر عند اللغات التي تحسب الإيقاعات الشعرية بالقدم، مثل الفرنسية والإنجليزية. أوزاننا مأخوذة من الحياة العامة بإيقاعاتها. أنت في الخبب أمام جياد عاديات ضابحات فعلن فعل، وفي المتقارب تشهد عرضاً عسكريّاً فعولن فعول، وأنت في حفل راقص في الرمل فاعلاتن فاعلاتن. فلماذا لا يفكر شعراؤنا في إيقاعات موسيقية فيبدعون منها إيقاعات لا تنتهي.

لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفية: لم تنتصر القصيدة الحداثوية، فماذا أعدّ شعراؤنا لمستقبل موسيقى شعرنا؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"