أكثر الشعوب اجتهاداً

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

فرّق الجاحظ الذي عاش بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، في كتابه «البيان والتبيين»، بين الأمم المتحضرة التي هي في رأيه: العرب والفرس والهنود والروم وبيزنطة، وبين الهمج، كما كان يطلق عليهم.

في عام 2017، نُشر تصنيف دولي لم يكن تحت عنوان «الأمم النابهة والأمم الخاملة» حسب تقسيم الجاحظ، وإنما على أساس الجدّ في العمل، معتبراً عدد ساعات العمل السنوية معياراً لذلك، وكان أمراً لا يخلو من مفاجأة حين وضع الشعب المكسيكي في المرتبة الأولى، كون الفرد منه يعمل أكثر من 2246 ساعة سنوياً، متخطياً، بكثير، معدل ساعات العمل الذي حددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو 1766 ساعة عمل سنوياً، بحساب إجمالي عدد الساعات التي يعمل خلال الموظف أو العامل في كل عام، وقسمة المجموع على متوسط عدد العاملين والموظفين في ذلك العام. وقال تقرير نُشر يومها إن هذه النتيجة أظهرت زيف الصورة التي قدّمتها الأفلام والمسلسلات الأمريكية عن الشعب الجار لأمريكا، حيث أظهرت صورة الفرد في المكسيك في صورة «الخامل والنائم على مدخل بيته أو إحدى الحانات»، علماً بأن ترتيب الولايات المتحدة نفسها، جاء في المنتصف، متأخرة عن دول كثيرة.

شمل تقرير المنظمة قائمة بأسماء 35 دولة، صُنّفت شعوبها بأنها الأقل عملاً، وجاء في المقدمة، وعلى التوالي: ألمانيا، هولندا، النرويج، الدنمارك، فرنسا، لوكسمبورغ، بلجيكا، سويسرا، السويد، النمسا، ولتبديد الدهشة التي قد تنتابنا حين نقرأ أسماء هذه الدول في ذيل القائمة، علينا قراءة التالي: «هذه الإحصاءات لا تعني أن الأقل عملاً يعنى الأقل إنتاجاً أو تطوّراً».

على صلة بذلك، فإن خبيراً ألمانياّ، وفي التعليق على قائمة أحدث نُشرت مؤخراً أظهرت الألمان بين أقل الشعوب عملاً من حيث متوسط عدد الساعات السنوي، رفض الافتراض القائل بأن الألمان، الذين كان يُعرف عنهم العمل الدؤوب بلا كلل، باتوا الآن يرغبون في الاسترخاء وقضاء أوقات فراغ أكثر من ذي قبل، مشيراً إلى أن الفارق الرئيسي بين سوق العمل في ألمانيا وباقي دول العالم يتمثل في أن نصف النساء العاملات يعملن بشكل جزئي مما يقلل من طريقة احتساب متوسط ساعات العمل في البلاد على أساس سنوي.

لم يتحدث التقرير عن حجم البطالة المرتفع جداً في بلدان كثيرة، وعن حروب تمزق أوصال بلدان أخرى، يقتل فيها عشرات الآلاف ويُهجّر أضعافهم، ما يجعل الحديث عن عدد ساعات العمل معياراً ضرباً من البهرجة. نقول ذلك لأن بعضكم سيسأل: لسنا في زمن الجاحظ، فماذا عن أحوالنا الراهنة، نحن العرب، من موضوع الجد في العمل؟ لذا سنكتفي في الإجابة بالقول: لكلّ حادثٍ حديث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ybw7syt6

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"