الإعلام الساخر في منتدى الإعلام

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

أرأيت كيف أن ميادين الإعلام لا تزال ولّادة للمصطلحات الجديدة؟ حتى قبل سنوات، لم يكن مألوفاً الحديث عن شيء من قبيل «الإعلام الساخر». على مرّ العقود كان المعهود: الأدب الساخر، الكتابة الساخرة، الصحافة الساخرة، الدعابة السوداء، وعندما يتسع المعنى ولا تضيق العبارة يتحدثون عن «الفنون الكوميدية». مشهد هذه الأشكال الاصطلاحية، يشبه المرادفات، التي تتشابه في المعنى الكلّي، وتختلف في الدلالات اللغوية والاشتقاقية.

المسميات المذكورة لم يكن لها وجود لفظي في تراثنا. لكنّ ميراثنا الثقافي، يملك ثروة ساخرة لم يحظَ بمثلها أدب عالمي على مرّ القرون، منذ اختراع الكتابة ونشأة النصوص الأدبية الأولى. لا تستطيع أيّ لغة أو ثقافة، على مرّ التاريخ، أن تختال زهواً خلف رائعة الدنيا «رسالة الغفران» لأبي العلاء، ولو بمسيرة ليالٍ عشر. كذلك هو إبداع الخيال في «رسالة الصاهل والشاحج» للمعرّي. يجب أن نقلب الصورة لندرك عظمة إرثنا الإبداعي، فلا تتوهمنّ حضارة أو أمّة أو لغة أو ثقافة أو أدب أو فن، أن في إمكانه الإتيان بمثل ذلك الإبداع قبل ألف عام أو بعدها، ولو كان أدباء الإنس والذكاء الاصطناعي بعضهم لبعض ظهيراً.

لكن الأدب الساخر الفاخر غير زاخر في مكتبتنا، بل إنه لنادر، بينما النوادر كأنها بيادر. قد تكون الذائقة العربية قديماً مسؤولةً انتقلت «ارتداداتها» إلى الأجيال. لكن القلم لا يقف عند الشاطئ مكتفياً بأن المزاج اللغوي العربي يُؤْثر الطرائف، لأن الطريف هو الجديد، واللطائف رمز الرقة، والمُلَحَ هياماً بالمَلاحة التي ترفع الضغط أكثر ممّا يفعل ملح الطعام، والفكاهةَ وهي بستان فيه «فاكهة ونخل ورمّان». يحتاج الأمر إلى باحثين ينقّبون في ديار الفكر والتحليل العلمي، لعلّ العلّة في المناهج العربية الغافلة عن تربية العقل الناقد. الدليل أن مثقفي العرب طوال ألف سنة لم يقدّروا «رسالة الغفران» حق قدرها. هي مجموعة مدارس في كتاب: أكبر ثروة معجمية أسلوبية بلاغية بألعاب أكروباتية لغوية. مدرسة لا نظير لها في حريات الفكر والرأي والتعبير. أين ذهبت؟ أمّا الفنّ الإبداعي فللوصف التقريبي، نحتاج إلى اندماج روائع والت ديزني في تناغم الواقعي والافتراضي في «آفاتار»، مع تجليات محلّقة مثل «بين النجوم» (أنترستلّار). وفي الرائعة مدارس أخرى، نقديّة فذّة للشعر العربي، وتبقى العظمة الكبرى للسخرية العارفة الألمعية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإثمارية: حظوة الإعلام الساخر بمكانة تقديرية في منتدى الإعلام العربي، لفتة رائعة. لهذا جاء هذا التقديم تمهيداً للموضوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/347764p7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"