حوارية مفارقات السخريات

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما الذي دعاك إلى أن ترمى لنفسك بقشر الموز، فموضوع غياب الكتابات الساخرة الرفيعة، وانحدار الفنون الكوميدية، عشّ دبابير؟ قال: اصح يا نائم، ذلك كان قبل عشرات السنين، ولم تنجح محاولات إحياء لسعاته، فصحيفة «النديم» التونسية، التي أسسها حسين الجزيري، لم يعد لها ندامى، «والنواسيّ ودّع الخيامَا»، والجريدة السورية «المضحك المبكي» لم يعد لها ضحك ولا بكاء، أمّا في مصر فكوكبة ساخرة، من «أبو نظارة» إلى «البعكوكة» وما بينهما. عربيّاً، سيُعيينا العدّ والإحصاء، لكن، سبحان الله، كأنما قيل للصحافة الساخرة ابلعي جرائدك ومجلاتك، ويا سماء الدعابة والنقد اللاذع أقلعي.

قلت: الآن عليك أنت أن تفرك عينيك ويتمطى ذهنك، وتبديَ لي فطنتُك ما كنتُ جاهلاً: كيف تستطيع أفهام المفكرين والمثقفين والإعلاميين العرب، هضم هذه القضية الزئبقية الثقيلة؟ كيف يستوعبون أن الصحافة الساخرة نشأت وازدهرت أيام كانت بلاد العُرْب أوطاني مستعمرات فرنسية وبريطانية، فلمّا استقلّت البلدان اعتلّت الصحافة الساخرة وانحلّت، فما أطلّت دعابة تجلّت. لا يليق بنا أن نتصوّر أن الاستعمار كان يشفق على نحل السخرية من أن يخنقه دخان الرقابة المفرطة المتطرّفة.

قال: هوّن عليك، فالمستعمِر كان يمنع صدور الأعداد التي تُجاوز الحدّ، فجاءت السلطات بعد الاستعمار، فرأت الحكمة في منعها بالجملة حتى لا تُمنع بالمفرّق. هي لا تريد تكدير نفوس الساخرين بضياع دعابتهم سدًى أو رماداً هباءً بعد إحراق نصوصهم ورسومهم، فليبحثوا عن أبواب أخرى للرزق، والله خير الرازقين.

قلت: لعلك فاتك الجبّ الذي وقعت فيه الكتابة الساخرة، جرّاء تلك الصدمة التي تلقاها العقل الناقد. لقد كانت نتيجة النكسة تفشّي فيروسات التهريج في المسرح الكوميدي، الصحافة الساخرة، السخرية والكوميديا في وسائط التواصل. من دون أسماء، في عدد من البلاد العربية انحدرت الفنون الكوميدية إلى مستويات مقلقة، كالسخرية من ذوي العاهات الخَلقية، كان ذلك في الكوميديا قبل قرن، ونرى الظاهرة تعود.

قال: أفِق خفيف الظل، ضع الأدب الساخر جانباً، فمتطلباته وشروطه عسيرة بمقاييس اليوم. أمّا الصحافة الساخرة والفنون الكوميدية، فلا رافعات للهاوين في مهاويها، سوى تأسيس فروع لها في أحد مجالين أو كليهما: معاهد الصحافة والإعلام، ومدارس الفنون الجميلة. لا يتفلسفنّ أحد في هذا: الصحفي الذي يرغب في انتهاج الكتابة الساخرة، يجب تكوينه في اللغة والأدب، الساخر بالذات، لأن الملعب لعب بالكلمات، يقال له: «كاريكلماتور».

لزوم ما يلزم: النتيجة الإلزامية: إذا لم تكن في هذه المجالات الحيوية مناهج للتدريس، فيجب إيجادها. انتظروا إنّا منتظرون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36ne6mz3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"