الاقتصاد يوجّه السياسة

21:47 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

في آخر 1986 بسبب النتائج الاقتصادية السيئة في روسيا، قرر غورباشوف الانتقال إلى نظام ديمقراطي يعتمد على حرية القرار وليس القوة مع إصلاحات اقتصادية عميقة وشجب التفكير الستاليني كلياً. في آخر 1988، أصبحت علاقاته مع الغرب قوية وخاصة مع الرئيس «الصديق» ريغان. كانت سنة 1989 مفصلية أي انتقال دول أوروبا الشرقية إلى الحريات السياسية والأنظمة الرأسمالية بدءاً من تشيكوسلوفاكيا إلى بولندا وهنغاريا ورومانيا مع التتويج في برلين أي سقوط الحائط الفاصل بين الجزأين في 1989 وبالتالي توحيد ألمانيا وانتهاء الحرب الباردة. كان سوء الأداء الاقتصادي ربما أكثر من الحقوق السياسية وراء هذا الانتقال من الشيوعية إلى الأنظمة الحرة. الفارق الكبير بين غورباشوف وبوتين أن الأول أضعف الحكم المركزي لتقوية الحقوق الفردية، بينما الثاني يحاول تقوية المركز على حساب الحريات.

سنة 1970 كانت مفصلية؛ إذ سقط النمو الروسي بسبب تراكم الأخطاء الناتجة عن ضعف المنافسة الداخلية وتقييد الحريات الاقتصادية. لكن الاقتصاد لم يعرف النمو حتى بعد غورباشوف. في عهد يلتسين تدنى الناتج المحلي الفردي الحقيقي 40%. في بداية التسعينات عانت روسيا التضخم القوي أي 2000% سنوياً كما تدنى العمر المرتقب بسبب تراكم سلبيات الصحة والغذاء والمال. خصخصت الإدارات الروسية بعض القطاعات، لكن ذلك تم بعجلة دون تحقيق المنافسة الضرورية لتحسين الإنتاج. انتقلت الخدمات من احتكارات عامة الى خاصة، فاستفاد منها عدد قليل من الأشخاص الذين أصبحوا أغنياء إلى حدود غير مسبوقة. نجاح غورباشوف السياسي تشوه بالنتائج الاقتصادية السيئة.

حلم غورباشوف بوطن أوروبي واحد، أي عكس ما يحصل اليوم. اعتقد أنه من الممكن الحفاظ على الاتحاد السوفييتي من دون القوة أي عكس ما يحصل اليوم مع أوكرانيا. في 2019، قال الرئيس ماكرون إن روسيا أوروبية وإن الوحدة الأوروبية تمتد من البرتغال إلى فلاديفوستوك. غيرت الحرب الأوكرانية ذلك كما تفكير الرئيس الفرنسي الذي شجب الهجوم الروسي. قال الرئيس بوتين إن حدود روسيا لا تنتهي، مما عزز الإقبال على دخول حلف شمال الأطلسي من دول كالسويد وفنلندا كانت محايدة.

تغيرت أوروبا مع الحرب الأوكرانية إلى درجة لا يمكن معها الرجوع إلى الوراء. حدود ال 1340 كلم بين روسيا وفنلندا اليوم غير سالكة عملياً بسبب التشنج السياسي. بينما كان النقاش الأوروبي يرتكز قبل 3 سنوات على تحديد مواصفات السلع ونوعية الخدمات للتبادل التجاري، أصبح اليوم محصوراً بالتجهيزات العسكرية والإنفاق على الدفاع والأسلحة. من كان يظن أن ألمانيا التي عانت الحروب الكبيرة تقرر إنفاق 112 مليار دولار على الدفاع؟ هنالك تغيير كبير داخل ألمانيا حول السياسة والإنفاق والدفاع سيتوضح مع الوقت. جمّدت روسيا عضويتها في اتفاقية الحد من الأسلحة، بينما تحاول أوروبا الانتقال إلى قوة عسكرية كبيرة. هل هنالك خيارات أوروبية أخرى؟ تغيرت أوروبا ولا عودة إلى الماضي. فالأجيال الجديدة الحاكمة مختلفة عن الماضي وكذلك الأوضاع.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29fwm62d

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"