العرب والصين

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

على هامش منتدى العلاقات العربية – الصينية الذي استضافته بكين مؤخراً، علينا أن نبدأ الحديث بتسجيل التقدير لما باتت دولنا الخليجية توليه من عناية بتطوير علاقاتها الثنائية، وكذلك الجماعية، مع الصين، تعبيراً عن قراءة صحيحة لمستجدات الوضع الدولي الراهن، وبروز القوة الآسيوية، التي تعدّ الصين نموذجها الأقوى والأوضح، كقوّة مقررة في العالم، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وهو أمر كان على الدول العربية أن تتنبه له مبكراً، ليس على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وحدهما، وإنما حتى على الصعيد الثقافي – الاجتماعي أيضاً.

نذكر هنا أنّ المفكر التونسي الراحل هشام جعيط، لاحظ، قبل عقود من الآن، ومعه آخرون في ذلك، أننا نفكر بالغرب دائماً بوصفه «الآخر» الوحيد، وهذا خطأ فادح، كأننا موازون له، وهذا خطأ آخر. إننا نرجع، حين نريد العودة للآخر للفلسفة الأوروبية الكلاسيكية والحديثة من ديكارت إلى هايدغر وسارتر ونيتشه وماركس وسواهم، لكننا نهمل تماماً، ماضياً وحاضراً، الفكر الهندي والحكمة الصينية، وكلاهما يعتمد على أسس بعيدة عن الإرث اليوناني والسامي، فيما علماء الغرب نفسه، المزهو بنفسه ونهضته، قد اهتموا كثيراً بهذا التراث النافذ العميق.

إن للصين شخصية حضارية وثقافية وسياسية جعلت من تحوّلها إلى الحداثة مأثرة حقيقية خلافاً لليابان التي هي برأي جعيط لم تكن إلا تلميذاً للصين! ما يثير الغبطة أن الإمارات ودولاً خليجية أخرى، باتت تولي العامل الثقافي أيضاً أهمية في تعاونها متعدد الأوجه مع الصين، والدليل على ذلك الأعداد الكبيرة من أبناء وبنات الخليج الذين أصبحوا يدرسون في الجامعات الصينية، وتخرج منهم العشرات وربما أكثر، مع التوجه نحو تدريسهم اللغة الصينية أيضاً بصفتها لغة قوّة دولية كبرى، فتعلّم لغة أي أمة يوسع دائرة التفاعل مع ثقافتها وحضارتها، وبناء وتقوية جسور التعاون معها.

آن الأوان، ليس اليوم فقط، وإنما منذ زمن، أن يجري الكفّ، عربياً، عن النظر إلى العالم بعين واحدة، لا تتوجه إلا غرباً، ورغم الدعوات الكثيرة للالتفات نحو الشرق عامة، ونحو الصين خاصة، بصفتها القوة الأكبر، التي نشأت بينها ودولنا شبكة تعاون اقتصادي واسع النطاق، وأن نستفيد من تجربتها المميزة في التنمية والتطور الاقتصادي، حيث عملت، وهي القوة التي لها ما لها من أهمية جغرافية وسياسية واقتصادية وكتلة سكانية ضخمة، بصمتٍ ودونما ضجيج، وبما يتفق وظروف الصين التاريخية والعيانية الخاصة. علينا أن نجعل من نتائج منتدى العلاقات العربية – الصينية الأخير خطوة نوعيّة أخرى نحو المزيد من التعاون المثمر مع الصين، وهو تعاون حرّ من الإملاءات، ومبني على التعاون الذي يعود بالمنفعة على طرفيه، على خلاف ما اعتدناه في العلاقات مع دولٍ غربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mxn9euca

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"