بين أن تكون مديناً مستهلكاً أو منتجاً

21:49 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

في الولايات المتحدة تقوم لجنة اتصالات المعلومات الإلكترونية «Committee on Electronic Information Communication – CEIC»، باحتساب إجمالي الديون ربع السنوية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من إجمالي الدين ربع السنوي والناتج المحلي الإجمالي الاسمي ربع السنوي؛ حيث يتم تحديث هذه البيانات كل ثلاثة أشهر. ويتم حساب إجمالي الدين على أساس جملة التزامات الشركات غير المالية والحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية والأسر والمنظمات غير الربحية والأعمال المالية، ناقصاً أسهم الصناديق المشتركة. ويتولى مكتب التحليل الاقتصادي «Bureau of Economic Analysis» مهمة توفير بيانات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالعملة المحلية. بينما يتكفل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتوفير إجمالي الديون بالعملة الوطنية. وقد سجلت هذه النسبة أعلى مستوى لها على الإطلاق في مارس/آذار 2021 عندما بلغت 829.3%، وأدنى مستوى قياسي لها كان في يونيو/حزيران 1953 حين بلغت 303.8%. في العام الماضي (2023)، شكل إجمالي الديون المجمعة للولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نسبة 723.7%. علماً بأن إجمالي الدين المقصود -الديون المجمعة للحكومة والأسر والشركات غير المالية والشركات المالية- في الصين بلغت هذه النسبة 360%. وقد توزع إجمالي الدين الصيني على 4 جهات رئيسية، هي الحكومة، والشركات غير المالية، والشركات المالية، والعائلات. وقد كانت نسبة الديون الحكومية منسوبة إلى إجمالي الناتج المحلي 300%، و250% للشركات غير المالية، و250% للشركات المالية، و100% للعائلات (بيانات معهد للتمويل الدولي «Institute of International Finance - IIF»).

الفرق بين مديونية الدولتين، يكمن في أن الصين استخدمت الدين لبناء بنية تحتية استثنائية وشركات تكنولوجيا وكليات ومراكز بحث وتطوير وما إلى ذلك. فيما تمّ استخدام الدين الأمريكي لتضخيم سوق الأسهم والفقاعة العقارية. كما أن معظم ديون الصين محلية، وهي تساوي تقريباً صافي الثروة الصينية المجمعة (المدخرات الخاصة والعامة بالإضافة إلى احتياطيات النقد الأجنبي). كما تمتلك الصين أكبر آلة للتدفق النقدي الحر في العالم بقيمة تصل إلى 1.5 تريليون دولار سنوياً. ولدى الصينيين أيضاً، مدخرات في البنوك أكثر مما لدى الأمريكيين. تتفاخر الولايات المتحدة بإجمالي ناتجها المحلي المرتفع، لكن تكلفة إنتاجه مرتفعة هي الأخرى، فنجدها متمثلة مثلاً في الرعاية الصحية الباهظة الثمن (مع ذلك يفتقد 26 مليون أمريكي، أي 8% من السكان للتغطية الصحية – بيانات 2022)، والتعليم الجامعي الباهظ (مع ذلك بلغ عدد الطلاب الأمريكيين المديونين نهاية 2023، 43.2 مليون طالب، بلغت نسبتهم من إجمالي الطلاب في عام 2018، 70%، أو 13% من السكان، بإجمالي مديونية طلابية في الربع الأول من 2023، بلغ 1.77 تريليون دولار والحروب الباهظة، وأسعار الفائدة المكلفة لدفع ثمن الديون (20% على الحرب، و16% على الفوائد). وإذا نظرنا إلى صافي الدين بدلاً من إجمالي الدين، فإن الصورة ستكون مختلفة أيضاً. إذ يبلغ صافي ديون الحكومة الصينية (بما في ذلك ديون الحكومات المحلية)، 25% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يبلغ صافي الديون الحكومية الأمريكية 124.2% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

الفرق هو أن ثروة الصين تعتمد على الإنتاج والموارد والتصدير. في حين أن الولايات المتحدة تعتمد على الخدمات والتلاعب بأدوات السياستين المالية والنقدية (Fiscal and monitory policies)، عبر الاستخدام المفرط (فيما خص السياسة المالية) للعقوبات المالية لوزارة الخزانة وملاحقة الأموال والأصول عبر أقنية التوظيف في العالم، بما هو تجيير لصالح التنافسية الأمريكية، تجارياً ومالياً، والاستخدام المشترك من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة لسيادية الإصدارات السندية وطباعة النقود الورقية وإدارة المعروض العالمي منها، بما يحقق أهداف الاستخدام «الذكي» لهاتين الأداتين (المالية والنقدية) للاقتصاد الأمريكي.

هذا الفرق بين استثمار الدين في أمريكا واستثماره في الصين ينطبق على معظم الدول النامية بما فيها البلدان العربية. فمعظم هذه البلدان تتعامل مع الأموال التي تقترضها، سواء من الداخل أو من الخارج، وفقاً لما تسمى عملية إعادة الإنتاج البسيطة «Simple Reproduction»، فيما يتعامل بعضها الآخر بموجب قاعدة إعادة الإنتاج الموسعة «Expanded or Enlarged Reproduction». في الحالة الأولى، تقوم الدولة المقترضة بإنفاق المبلغ المقترَض على أوجه استهلاكية خالصة، أما في الحالة الثانية، فتقوم الدولة المقترضة بإنفاقه استثمارياً، أي إنتاجياً، بإضافته إلى المتوفر من موارد التمويل المحلية وتوظيفه تراكمياً لخلق نمو توسعي. وسواء كان الاقتراض لتمويل الإنفاق الاستهلاكي أو لتمويل الإنفاق الاستثماري (الاقتصادي التنموي)، أو لتمويل الاحتياجات العسكرية، فإنه يتعين على كل حكومة مقترضة أن تضع في حسبانها: جهة الاقتراض، مدة الاقتراض، وسعر الفائدة على القرض. وأن تتحسب للتأثيرات التي سيحدثها كل خيار اقتراض على الاقتصاد ككل وعلى قطاعات اقتصادية بعينها ذات صلة، فضلاً عن اعتبارات ميزان المدفوعات. ورغم انخفاض مخاطر الاقتراض المحلي قياساً بالاقتراض الخارجي، فإن مؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، تميل إلى تضخيم مخاطر الاقتراض المحلي، وتشجع حكومات البلدان النامية على اللجوء لمصادر التمويل الخارجية.

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xwec2y3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"