عادي

شمس العرب تسطع على العلوم الأوروبية

20:00 مساء
قراءة 3 دقائق
العقيدة والعلم وحدة الدين الأوروبي وعلم الطبيعة

القاهرة: الخليج

تقدم المستشرقة الألمانية زيجريد هونكي في كتابها «العقيدة والعلم وحدة الدين الأوروبي وعلم الطبيعة» ترجمة محمد أبو حطب، مبحثاً علمياً تعرض فيه لتاريخ الفكر والعلم الأوروبي من زاوية جديدة، وهي فكر العصر الحديث الخاص بعلم الطبيعة، والبحث عن جذوره في فكر العصر القديم المتمثل في الفكر اليوناني والروماني ونصوص الإنجيل وما جاء من معارف قدمها الفكر الثنائي للفلسفة اليونانية والمدرسية والأرسطية، ينتهي هذا العرض التاريخي عند هبوب نسمات تطور علم الطبيعة من خلال آراء العديد من العلماء الذين بحثوا أسرار وقوانين الطبيعة بعيداً عن الفكر الثنائي المشار إليه.

وتواصل الكاتبة عرضها للفكر الأوروبي من خلال مفكرين واجهوا اضطهاد ومطاردة محاكم التفتيش، وحكم عليهم بالهرطقة أو الموت حرقاً من قبل الكنيسة، إلا أنه على الرغم من هذا الاضطهاد والمطاردة، فإن مسيرتهم لم تتوقف وأطلقوا نيران شعلة العلم الأوروبي مستندين في ذلك إلى معارف وخبرات وتجارب العلم العربي والإسلامي المزدهر آنذاك.

لعل الاضطهاد الذي عاشه العالم الإيطالي جاليليو أكبر دليل على جمود وقسوة الكنيسة ورجالها نحو هؤلاء العلماء، وما كان على جاليليو إلا أن يواجه حرباً شعواء لمجرد أنه تجاسر وأعلن كروية الأرض، وأنها تدور حول الشمس، ويلقى الرجل في شيخوخته ألواناً من العذاب لم ترحم شيخوخته، حتى اضطر مرغماً إلى التراجع عن آرائه في الوقت الذي توهجت في الشرق الدعوة إلى علوم النفس وعلوم الكون الطبيعية والكيمياء والرياضيات والطب وفتح الغرب عيونه في ظلمات العصور الوسطى على أنوار الشرق.

تستهل زيجريد هونكي كتابها بمقدمة قصيرة واضعة لها عنوانا مثيرا: «علم الطبيعة في قفص الاتهام» وهي تهدف بذلك إلى تذكير القارئ بالاتهام الموجه لعلم الطبيعة وارتباطه اللصيق بقوة شيطانية، الأمر الذي يفرغ عالمنا من سحره وجماله ويسلب الإنسان من تفرده وكيانه.

وتعرض المؤلفة لبنية ونشأة العلم الأوروبي وعمق ارتباطه بالدين، وتستشهد بعالم الاجتماع الكبير ماكس فيبر الذي أرجع نشأة هذه العلوم إلى مهدها الأوروبي وإلى نمو جذورها الأولى بفرنسا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا، ولا يستثني من هذا الفضل سوى العرب الذين لهم السبق الأكبر في رعاية العلوم، وفي إضافة الجديد إليها، فمن خلال إسهاماتهم المتنوعة انطلقت الشرارة الأولى وأنارت الطريق لازدهار العلم الأوروبي.

وتعطي المؤلفة لأحد فصولها عنوان «إطلاق الشرارة الأولى على يد العلم العربي» وتحاول من خلاله أن تبرز مقولتها بأن الأعمال والمؤلفات اليونانية والعربية، وما حوت من كنوز، أخذت طريقها دون عوائق إلى أوروبا والغرب، كما هو معروف، من خلال الطرق التقليدية عبر صقلية وإسبانيا والحروب الصليبية.

*أكثر من وسيط

وتضيف المؤلفة أن العلوم العربية قد تجاوزت الطرق التقليدية، ما أدى إلى أن تصبح اللغة العربية لغة العلماء دون منازع، وأنه ليس صحيحاً على الإطلاق ما يتعلمه الطالب الأوروبي من أن العرب لم يكونوا سوى الوسيط أو المعبر الذي من خلاله جاء الإرث اليوناني إلى الغرب، وهي المقولة التي لم يرد بها سوى إبطال حق وإثبات باطل، الأمر الذي قاد إلى تزييف وقائع تاريخية كثيرة في هذا الشأن.

وتؤكد المؤلفة أن العرب هم الذين وهبوا الإرث العلمي الكبير عن فكر العصر القديم، فكر كبار المفكرين من الإغريق والرومان إلى أوروبا، وخاصة بعد أن شهدت لهم بالفضل في إنقاذ ما تبقى من أعمال التدمير التي قام بها غلاة المتعصبين من رجال اللاهوت، وتطرح المؤلفة السؤال المربك عما إذا كان في الإمكان تفادي ذلك التعارض أو هذا الشقاق؟

وتقول المؤلفة إن شمس العرب تشرق في جامعات أوروبا بالعلم العربي النافع، ويحظى الاسم العربي بمكانة مرموقة لدى علماء أوروبا من الأطباء والكيميائيين والصيادلة والفلاسفة، وينتهي الكتاب بفصل ختامي تعرض فيه المؤلفة للمصير الذي انتهى إليه علم الطبيعة بعد وقوفه لقرون طويلة أمام منصة القضاء في داخل قفص الاتهام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29wnt2hu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"