إيضاحات أساسيّة في المقامات

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في أن نقول كلمتين في هذا الموضوع ونطوي الصفحة؟ من الضروري أن يعلم الناس أن بعض ما يقال كلام لا أساس له، ولكنه يُرسّخ مفاهيم خاطئة في أذهان غير العارفين. صار شائعاً في أوساط تعليم المبتدئين تلاوةَ القرآن الكريم وتجويدَه، مسمّى «المقامات القرآنية». هذا المصطلح، ليس من الاصطلاح في شيء، ولا من العلم الموسيقي، ولا من العلوم القرآنية في شيء.

لا بدّ من كشف الهشاشة النفسية خلف هذه العبارة، والمؤسف هو تعدّد المحاولات الرامية إلى تغليف الرابطة بين تجويد الذكر الحكيم والمقامات الموسيقية. لقد رأى هؤلاء أن أيّ صلة للتجويد بالموسيقى أمر غير مقبول. في تراثنا وجهات نظر فقهية كثيرة ذهبت إلى حدّ تحريم الموسيقى. المسألة ليست بهذه السهولة، بجرّة قلم. المقولة الحضاريّة توجد في الضفة المقابلة، فحجة الإسلام أبو حامد الغزالي يقول: «من لم يحرّكه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج».

عندما يتحدث هؤلاء عن «المقامات القرآنية»، يذكرون: العجم، النهاوند، السيكاه، الجهاركاه، الراست، الحجاز، الصبا، البياتي. إذا كانت هذه المقامات كما يدّعون، فكيف اتفق أن أسماءها فارسية، ما عدا الحجاز والصبا والبياتي؟ وكيف لم تظهر تلك المقامات إلاّ في العصر العباسي؟ ثم، ما هو الدليل على أن أداءها كان على النحو الذي نعرفه منذ تسجيلات القرن العشرين؟

لا يتوهمنّ أحد وجود مقامات في التجويد، غير المتعارف عليها في الموسيقى. الجزئيات الفارقة بين البلدان العربية والإسلامية، هي «اللهجات الموسيقية» في أداء المقامات. بيسر تستطيع التمييز بين التقاسيم الجزائرية، العراقية، تلك هي اللهجات. الأذان والتلاوة التونسيان إلى اليوم متأثران بالأداء التركي العثماني. الآستانة في العهد العثماني، هي التي نقلت المقامات الإيرانية إلى مصر والمغرب العربي، بينما كان الانتقال من إيران إلى العراق شديد التأثير في الطابع الحزين لأداء المقامات، جرّاء المؤثرات المذهبية. في هذا الفضاء، يجد القارئ متعة في كتاب «الموسيقى والحضارة» للأمريكي هوغو ليختنتريت، وفيه تحليل رائع للعلاقات الموسيقية بين الحضارات.

لقد تصور البعض أن تغيير أسماء المقامات يحلّ المشكلة، فأضفى على المقامات أسماء جديدة مثل: الأمل، البشارة... ما يُحدث خلطاً غريباً. كان على أولئك أن يدركوا أن الأمر محسوم، يستحيل التجويد من دون مقامات.

لزوم ما يلزم: النتيجة العقلية: إذا أساءت فئات إلى الموسيقى بالهبوط، فالذنب ليس ذنب المقامات. النوتات كالحروف تستطيع أن تصنع بها أسمى المعاني وأرذلها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/264emwbw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"