الغزل وجذور المشكلات التنمويّة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل سيتّهم أهل الفكر والثقافة، القلم بالهزل في مواضع الجدّ، إذا لاح لهم هذا الطرح، ضرباً من اللامعقول؟ من دون لفّ ودوران، أصل الموضوع، هو أنه عكف طويلاً على التفكير في أسباب عدم قدرة جلّ العالم العربي على استيعاب ضرورة أن تكون التنمية شاملة، غير قابلة للتجزئة. تماماً مثل الجسم، فلا يمكن تحقيق النمو السليم، والحفاظ على التوازن العام، إذا حرمنا بعض أعضائه التغذية والرعاية والوقاية. بعد طول الفكر والبحث والتنقيب، أومضت في ذهنه بارقة غرائبية، وهي أن جذور التجزيئية في رؤية العقل العربي للأشياء، تعود، ولا شك، إلى خلفيات بعيدة، وكواليس ثقافة سلوكيّة قديمة في الماضي السحيق.

انطلقت شرارة صاعق الفكرة، حين تذكّر أنه قبل خمس وثلاثين سنة، كتب نصوصاً ساخرةً عن «غزل القصّابين»، فأهل هذه المهنة، مع حفظ الألقاب، يرسمون في نسيبهم، الذي تبرّع القلم بسبك أبياته نيابةً عنهم، صوراً تجزيئيةً للحبيبة. بصراحة، هل كان شعراء الجاهلية يفعلون غير ذلك؟ بل إن شعراء العصور الإسلامية ورثوا هذه النظرة التجزيئية، من المشرق العربي إلى الأندلس.

عندما نتأمل التجزيئية في الغزل، لا نرى المرأة كائناً حيّاً متكاملاً في تكوينه بين المادّة واللامادّة، بين الجسد كوحدة واحدة، والروح التي تبعث فيه الحياة والحلم والحب والحيوية وحس الإحساس بالجمال والحنان والحنين... بل نرى مشهداً سورياليّاً إذا تخيّله المرء أو رسمه أدرك ما هو اللامعقول: شَعر كالليل، محيّا كالقمر، حاجب كالسيف، عين كعين المهاة والبقرة الوحشية، أنف كالمرود، وجنة كالورد أو كالنار، شفة كالعندم (دم الأخوين)، أسنان كالبَرَد، جيد كجيد الغزال، جسم كالمرمر.

لكن، يجب أن نأخذ هذه النظرة التجزيئية على محمل الجد، فهي طريقة خاصة في رؤية الأشياء، بالتالي هي أداء محدّد راسخ في عمل الدماغ. سِرْ بيتاً بيتاً في وصف الناقة، في معلقة طرفة بن العبد البكري، ستكتشف درساً في التشريح. الغزل هكذا، انظر نموذجاً بسيطاً في معلقة عمرو بن كلثوم، (بعد: تُريك إذا...). بعد ستة قرون جاء الوأواء الدمشقي بصورة أرقّ، ولكنها لا تخرج عن السوريالية قيد فوتون: «وأمطرتْ لؤلؤاً من نرجس وسقتْ.. ورداً وعضّت على العنّاب بالبرَدِ». نعود الآن على بدء بالسؤال: ألا يمكن أن تكون تلك الرؤية التجزيئية للأشياء، هي السبب في تعذّر النظرة الشاملة للتنمية، لدى بلاد عربية كثيرة؟

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: كيف استطاعت دول عدّة في الشرق الأقصى، النهوض بجميع القطاعات في كل المجالات معاً، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية..؟ القطاعات ليست جزراً منفصلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ywvysk8y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"