«إلا الطلاق»

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لم تعد تهمّنا مشاهدة مسلسلات الثلاثين حلقة، وما فوق، فالأعمال الأقصر طولاً هي الأكثر جذباً، ربما بسبب قِصر نفس أغلبية كتّاب الدراما، فنضمن عدم اعتمادهم «الحشو» لملء ساعات البث، والبديل مسلسلات تشبه قصص الجيب التي كنا نحملها في حقائبنا، وننتهي من قراءتها في يوم وليلة. من تلك الأعمال المختصرة في عشر حلقات، مسلسل «إلا الطلاق» الذي عرض حديثاً تأليف مريم نعوم، وإخراج محمد بركة.

«إلا الطلاق» عنوان لدراما اجتماعية قد تبدو معنية بالعلاقات الزوجية فقط، لكن الأحداث تقودنا إلى ما هو أبعد، وأخطر من الطلاق، وتبعاته، فيصبح العنوان أصغر من القضية الحقيقية التي نتابعها، والتي تتضخم إلى حد يجعلك تتنظر النهاية المحتومة، وأنت تعلم أن الأبطال يدورون في حلقة نهايتها سوداوية، بلا شك. ورغم أن الخوف من الطلاق هو أحد هموم بطلة المسلسل يارا (دينا الشربيني)، وشقيقتها، إلا أن الأهم منه قضية الاختيار، أو القرار الخاطئ الذي قد يتخذه المرء، وتترتب عليه مجموعة أخطاء تتوالى، فتتضخم الأمور، وتتحول إلى أزمات قاتلة، ومدمّرة، يحسب أنها حصلت صدفة ورغماً عنه، بينما هي نتيجة منطقية لأفعاله. خطأ وقع فيه سيف (إياد نصار)، حين هرب من أزمته مع والده صاحب شركة الراوي (ياسر علي ماهر)، فانقلب على حياته بشكل كامل، مغيّراً مهنته، ومقيماً علاقة مع الفتاة حبيبة (سلمى أبو ضيف) التي تصغره سناً، رغم حبه لزوجته يارا، وتمسكه بها.

خطأ يؤدي إلى قتل بالخطأ، تنجم عنه جرائم متنوعة.. هذا مسار سيف ويارا، في المقابل يرتكب الراوي الأب خطأ بالتمييز بين ابنه البكر (بالتبني) سيف، وابنه (الفعلي) زياد، حيث يعيّن الثاني رئيس مجلس إدارة الشركة وهو لا يجيد العمل فيها بينما يحرم سيف من المنصب، وهو من شارك في تأسيسها، وبرع في إدارة كل المشاريع وتحقيق أرباح للشركة. قرار يؤدي إلى انهيار تدريجي، ودمار لم يكن متوقعاً.

في الكتابة تسلسل للأحداث، لكن تهوّر الشخصيات، وانجرافها خلف إخفاء الجريمة بارتكاب جرائم متتالية، غير منطقيين، خصوصاً أن سيف ويارا ليسا مجرمين بطبيعتهما، ولا ظروفهما العائلية وأحوالهما الاجتماعية تقودهما بشكل منطقي وطبيعي نحو هذا الاختيار! لذلك تصل خلال متابعتك المسلسل إلى مرحلة تتأكد فيها أن مريم نعوم تلوي ذراع المنطق، وطبيعة الشخصيات، لتقودها بنفسها نحو الجريمة، والدوامة السوداء، كأنها تريد تضخيم الأمور لنرى بشاعة الخيانة من جهة، ومدى تأثير أي قرار ظالم قد يتخذه الأب أو الأم في حق الأبناء، مع تعريجها طبعاً على التأثير السلبي للمشاكل الزوجية في الأبناء.

الجريمة والخيانة (الخيانة الزوجية، وخيانة الأب لثقة ابنه، ولو بالتبنّي، فيه وتخليه عنه)، هما القضية الرئيسية في مسلسل يشدك في إيقاعه، وغموضه، لكنه يغرق في الظلمة، ويغلق كل أبواب الخير، والفرح، والجمال، في وجوه أبطاله، ووجوهنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ynyby4yu

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"