من كان منكم بلا بلطجة فليرجمه بحجر

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

«كنا زمان».. كلمتان نكررهما كثيراً، وربما يمل أبناؤنا من سماعهما، لكن ما نراه اليوم يأخذنا بشكل تلقائي إلى المقارنة مع «زمان»، يوم كان للفن قيمة أكبر من فرد العضلات على حساب القيم، ويوم كان «الجنتل» على الشاشة يخطئ، وينال العقاب، ويندم، و«الحرامي»، و«البلطجي»، مرفوض، إلى أن يتغير سلوكه، ونجد ما يبرر تصرفاته التي لا بد أن تكون عابرة، وغير متأصلة فيه، حتى ولو كان رشدي أباظة «بِذات نفسه»؛ وللقانون كلمة، وللعدالة دور حقيقي، وللمحكمة والقضاء صوت يعلو على صوت البلطجة، و«آخذ حقي بذراعي»، والثأر.

زمان، كان للخيال مدى يسرح فيه المؤلفون، ويحلّقون فوق المنطق أحياناً، ويجنحون نحو السذاجة أحياناً، لكنهم وضعوا لأنفسهم معايير أهل الفكر، والأدب، ومبدعي الكلمة، والكتابة.. صنعوا من الورق شخصيات يجري في عروقه الحبر دماً، وجعلوا من الأبطال بشراً يصيبون ويخطئون، لكنهم لا يتجاوزون حدود القيم الأخلاقية، والاجتماعية، لأنهم يدركون جيداً أن البطل على الشاشة هو قدوة لفئة من المشاهدين، يتأثرون بتصرفاته، وكلماته، ويقلّدونه بعد انتهاء الفيلم، أو المسلسل، يصبح نموذجاً في لبسه، وشعره، وحركاته، وتصرفاته.. تتعلّق به قلوب الصغار، والمراهقين، والمراهقات.. وما كان ينطبق على جمهور زمان مازال ينطبق على جمهور اليوم، وسيبقى مفعول سحر الشاشة على مشاهديها سارياً إلى ما لا نهاية.

الفنان الرائع أحمد رمزي كان أشهر بطل يفرد عضلاته (في الأفلام فقط)، ورغم ذلك تجد في كل الشخصيات والأدوار التي جسّدها حدوداً لم يتجاوزها، وشياكة، وأناقة، وأدباً، صفات تحلى بها حتى في عز غضبه، ومعاركه مع خصومه! أما شاشات اليوم، فما أكثر «فاردي» العضلات فيها، والمتباهين بقدراتهم «الخارقة» في الضرب، لكن مع سيل من الألفاظ السوقية، والشتائم، والعبارات التي يتعمدون إطلاقها لتصبح «ترند»، ويردّدها الشباب في الشوارع وتصبح «لغة العصر»، كأن ما ينطق به اللسان لا يؤثر في العقل وأسلوب الحياة والتفكير والتصرف.

نكاد نسأل نجوم اليوم «من كان منكم بلا بلطجة فليرجم محمد رمضان بحجر»! لا بأس من تنويع الأدوار، ولا بأس من دخول النجم تجارب في ألوان فنية مختلفة، منها الأكشن، والميلودراما، والتراجيدي، والرعب، والرومانسية.. لكن الأكشن للأسف صار مصبوغاً بالبلطجة، والسرقة، والقتل، وكل وسائل العنف المتاحة، وفي النهاية يتسلل إلى الجمهور إحساس يجبره على التعلق بالبطل، والدفاع عنه، والاقتناع بأنه قوي، وجميل، وصاحب كاريزما، و«كل البنات بتحبه»، وحتى «البنت السوقية»، محبوبة ولذيذة، و«كل الشباب يحبوها»، والبنات يقلدنها في الشكل واللبس.. «ليه لا؟»، كله يهون من أجل عيون الترند، والشهرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4sp55j6z

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"