المذهب التجاري المتعدد العملات

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

صدر في أكتوبر 2023، لمخضرمة العمل المصرفي العالمي، الاقتصادية الأمريكية كاثلين تايسون، كتاب بعنوان «المذهب التجاري متعدد العملات: النظام النقدي الدولي الجديد» (Multicurrency Mercantilism: The New International Monetary Order)، ذكرت فيه أن العالم يتحول، بعد ثمانين عاماً، من هيمنة الدولار وهيمنة الولايات المتحدة، إلى النزعة التجارية التعددية للعملات المتعددة. وبموجبه، سوف تختار أغلب الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية التعامل بعملات متنوعة في التجارة العالمية، والائتمان، والاستثمار. وتُعدد كاثلين تايسون أسباب حدوث هذا التحول الآن وتستقرئ ما قد يجلبه النظام النقدي الجديد من خلال طرقها للمحاور التالية: جميع العملات هي بدائل للدولار؛ يمكن أن يكون التحول مستقراً وتدريجياً؛ لا هيمنة جديدة؛ تسارع العولمة؛ عوائد الذهب؛ إدارة الديون الدولية؛ التكنولوجيا والبنية التحتية للنظام النقدي والمالي العالمي.

قبل ذلك، في 9 ديسمبر 2022، كتبت كاثلين تايسون مقالاً في أعقاب القمة الصينية الخليجية التي عقدت في الرياض، عنونته «بريتون وودز 2 انتهت اليوم» (Bretton Woods II ended today)، مستندة في ذلك إلى ما ورد على لسان الرئيس الصيني على هامش المؤتمر من دعوة الدول الخليجية لتسعير نفوطها وغازها باليوان في بورصة شنغهاي (SSE). واعتبرت، إنه ما كان للرئيس الصيني أن يعلن ذلك على الملأ لولا أن جرى الاتفاق بشأنه مسبقاً. ورأت أن من شأن تسعير النفط والغاز في بورصة شنغهاي باليوان، أن يكسر احتكار الدولار الذي فرضته الولايات المتحدة منذ عام 1974. وبما أن احتكار الدولار مقابل النفط كان العمود الفقري لاستقرار «بريتون وودز الثانية»، فإن مرحلة «بريتون وودز الثانية»، ومرحلة ما بعدها «قد بدأت اليوم»، أي في القمة الصينية الخليجية في الرياض (يُقصد باتفاق بريتون وودز الثاني، صعود ودخول الصين وبلدان آسيا، بقوة، للأسواق الدولية، وإدارتها لسياساتها النقدية من خلال أسعار الصرف العائمة للتأقلم مع الظروف الاقتصادية العالمية المستجدة).

تقر كاثلين تايسون بأن لا أحد يعرف بالضبط إلى أين ستتجه الأمور من هنا (ما بعد القمة الخليجية الصينية في الرياض) فيما يتعلق بالاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي العالمي. وستكون الإشارة الرئيسية التي يجب مراقبتها هي بيانات رأس المال الدولي الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية بشأن الحيازات الأجنبية (US Treasury International Capital - TIC Data) على أساس سنوي، التي خفّضت الصين حيازاتها منها بواقع 113.9 مليار دولار حتى سبتمبر 2023، وخفضتها هونج كونج بواقع 50.4 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بواقع 2.8 مليار دولار، والإمارات بواقع 9.8 مليار دولار. الدولة العربية الوحيدة الذي ارتفعت حيازتها هي العراق، ب 18.9 مليار دولار. لكن هذه الزيادة لم تكن طوعية، حيث إن الولايات المتحدة تشترط منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، دفع جميع عائدات مبيعات النفط العراقي إلى حساب في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حيث يتم استثمار الدولارات تلقائياً في سندات الخزانة الأمريكية.

لذلك، بحسب تايسون، بدأ العد الزمني للانتقال المتعدد الأقطاب كوسيلة للدول الأخرى لمتابعة مصالحها في خضم التحول من العالم الأحادي القطب الذي يهيمن عليه الدولار إلى عالم متعدد الأقطاب، حيث يتم التعامل على نحو متزايد في التجارة والتمويل والائتمان بعملات متنوعة. وهي قد أطلقت على النظام الجديد اسم المذهب التجاري المتعدد العملات “Multicurrency Mercantilism”. وهو مصطلح استوحته الكاتبة من تحذير كان قد أطلقه هنري كيسنجر في عام 2014، ومفاده بأن العقوبات، كممارسة غربية في الاقتصاد العالمي، سوف تستدعي دفاعاً تجارياً من قبل الدول الأخرى (ونحن نضيف، خصوصاً منها الدول ذات الثقل الإقليمي والدولي المتصاعد في بلدان آسيا). أما أساس المذهب التجاري (المركنتيلي “Mercantilism”) الذي ظهر في أوروبا في القرن الثامن عشر، كنزعة حمائية، هو أن الثروة الوطنية تقاس بكمية الذهب والفضة التي تمتلكها الدولة. فلابد لها من تجميع ومراكمة مخزونها من الذهب والفضة من خلال الصادرات وتقليل الواردات. لذا كانت أعظم سنوات إسبانيا عندما راكمت حصاد السبائك من ممتلكاتها في الخارج. وقد اعتبر المركنتيليون الأوروبيون أن مستعمراتهم موجودة لتحقيق المنفعة الاقتصادية للبلد الأم ولا فائدة منها ما لم تساعد في تحقيق الأرباح وتعظيم الثروة القومية للبلد الأم. فيجب على الدولة الأم، والحال هذه، أن تغرف من المواد الخام للمستعمرات وتبيعها بالمقابل بضائع تامة الصنع، على أن تحتفظ الدولة الأوروبية المستعمِرة بالباقي. ويجب أن تكون هذه التجارة احتكارية، من خلال منع «المتسللين الأجانب» للولوج إلى المستعمرات.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jy3vutbu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"