مزايا النظام التجاري المتعدد العملات

22:24 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

بعد الأزمة المالية التي تعرض لها العالم صيف 2008، عاد الحديث بقوة عن ضرورة إعادة النظر في البنية الشاملة التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي. وقد طُرحت عدة أفكار ومقترحات بهذا الخصوص، أبرزها تلك المتعلقة بالنظام النقدي السائد، القائم على تعويم العملات والتجارة الدولية القائمة على الدولار، والاحتياطيات المقومة بالدولار. في مؤلفها «المذهب التجاري متعدد العملات: النظام النقدي الدولي الجديد» (Multicurrency Mercantilism: The New International Monetary Order)، تجادل الاقتصادية الأمريكية المخضرمة، كاثلين تايسون، بأن النظام النقدي الذي تقترحه، وهي التي تقلبت في مناصب تنفيذية عالمية وازنة في مؤسسات النظام النقدي العالمي، ينطوي على مزايا عديدة قياساً إلى خطورة الاستمرار في الاعتماد على نظام نقدي عالمي صار نهباً للهشاشة. من هذه المزايا:

أن المذهب التجاري متعدد العملات «Multicurrency Mercantilism» الذي تقترحه تايسون، والذي بدأ يشق طريقه في المعاملات النقدية البينية، لا يتطلب موافقة دول مجموعة السبع التي تهيمن على النظام النقدي لبريتون وودز الثاني «Bretton Woods II». ففي حين تتمتع الولايات المتحدة، بموجب بريتون وودز 2، بحق النقض غير الرسمي في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك التسويات الدولية، وما إلى ذلك، فإنها لا تستطيع الاعتراض على الصفقات الثنائية، أو التشريعات أو اللوائح الحكومية، للدفع بالعملات المحلية أو الإقليمية أو غيرها من العملات المفضلة.

يوفر الدفع بالعملات المحلية أو من خلال حسابات فوسترو «Vostro accounts» (مصطلح لاتيني يعني حسابك الخاص بك «Your account»، وهو حساب يحتفظ به البنك المراسل «Corresponding bank» نيابة عن بنك آخر) بالعملات المحلية – يوفر شفافية فائقة بشأن عائدات التصدير والتجارة.

ويمكن للدول المصدِّرة، جمع ضرائب التصدير والتعريفات الجمركية بشكل أفضل، وذلك أخذاً بعين الاعتبار أن الكثير من معاملات التجارة التي تتم الآن بالدولار أو اليورو، تمر عبر الملاذات الضريبية، وتستخدم التسعير المزدوج لتجنب الرسوم الجمركية أو الضرائب على الشركات، ما يؤدي إلى خفض الجباية الضريبية، وبالتالي القدرة المالية في الدول المصدرة، وتقويض النمو والتنمية فيها.

يمكن تنفيذ المذهب التجاري النقدي بشكل تدريجي؛ حيث تقوم كل دولة بتكييف إطارها القانوني والمالي وقياس الفوائد التي ستجنيها منه. روسيا استخدمت نظام الروبل مقابل مصادر الطاقة في عام 2022 لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد بعد العقوبات الاقتصادية الكاسحة التي فرضها الغربيون عليها. وهو ما أدى إلى أن الروبل صار العملة الأفضل أداءً لعام 2022؛ حيث اضطرت الدول «غير الصديقة» إلى بيع الدولار الأمريكي واليورو لشراء الروبل لتمويل صفقات شراء الغاز والنفط الروسيين. واستقر الاقتصاد الروسي وتعرض لأضرار أقل بكثير مما كان متوقعاً، قبل أن تتمكن روسيا من إلغاء هذا التدبير في ديسمبر/كانون الأول 2022. ويمكن للدول الأخرى أيضاً تجربة الدفع بالعملة المحلية أو الدفع عبر ترتيبات «الفوسترو» في واحدة أو اثنتين من سلع التصدير لتقييم التأثيرات على عائدات الضرائب والقدرة المالية والاستقرار المالي والقدرة التنموية.

الدفع بالعملة المحلية باستخدام حسابات فوسترو، من شأنه تحسين القدرة على خدمة الديون، من خلال جعل الإيرادات أكثر قابلية للتنبؤ بها، وأقل عرضة لعدم استقرار أسعار الصرف. كما أن تحصيل المزيد من الرسوم الجمركية وضرائب الشركات محلياً من قبل الدول المصدرة، يمكن أن يُسهم في تطوير سياسات أفضل لدعم النمو، ما ينعكس إيجاباً على التصنيفات الائتمانية للدولة والقطاع المالي والقطاع غير المالي، ويخفض بالتالي أعباء خدمة الدين (تحسين التصنيف الائتماني يؤدي إلى خفض درجة المخاطرة في إقراض الدولة ومن ثم خفض أسعار الفائدة من قبل مقرضيها الدوليين). كما أن الدفع بالعملة المحلية أو عملة فوسترو يؤدي للتخلص من النفقات العامة المخصصة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل التجارة. أيضاً، فإن سداد قيمة الصادرات بالعملة المحلية من خلال البنوك المحلية، ربما قلل من مخاطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والبيروقراطية، ومخاطر صرف العملات الأجنبية، وتكاليف التحوط، والتعقيدات المصرفية عبر الحدود.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cfhhk7b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"